فصل: صَيْد

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الموسوعة الفقهية الكويتية ****


صَيْد

التّعريف

1 - الصّيد‏:‏ لغةً مصدر صاد يصيد، ويطلق على المعنى المصدريّ أي‏:‏ فعل الاصطياد، كما يطلق على المصيد، يقال‏:‏ صيد الأمير، وصيد كثير، ويراد به المصيد، كما يقال‏:‏ هذا خلق اللّه أي مخلوقه سبحانه وتعالى‏.‏

والصّيد هنا بمعنى المصيد‏:‏ يقول اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏لاَ تَقْتُلُواْ الصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ‏}‏‏.‏

وفي الاصطلاح‏:‏ عرّفه الكاسانيّ على الإطلاق الثّاني - أي المصيد - بأنّه اسم لما يتوحّش ويمتنع، ولا يمكن أخذه إلاّ بحيلة، إمّا لطيرانه أو لعدوه‏.‏

وعرّفه البهوتيّ بالإطلاقين - المعنى المصدريّ والمصيد - فقال‏:‏ الصّيد بالمعنى المصدريّ‏:‏ اقتناص حيوان متوحّش طبعاً غير مملوك ولا مقدور عليه‏.‏

أمّا بالمعنى الثّاني - أي المصيد - فعرّفه بقوله‏:‏ الصّيد حيوان مقتنص حلال متوحّش طبعاً، غير مملوك ولا مقدور عليه فخرج الحرام كالذّئب، والإنسيّ كالإبل ولو توحّشت‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - الذّبح‏:‏

2 - الذّبح في اللّغة‏:‏ الشّقّ، وفي الاصطلاح‏:‏ هو القطع في الحلق، وهو ما بين اللّبّة واللّحيين من العنق‏.‏

ب - النّحر‏:‏

3 - من معاني النّحر في اللّغة‏:‏ الطّعن في لبّة الحيوان، لأنّها مسامتة لأعلى صدره، يقال‏:‏ نحر البعير ينحره نحراً‏.‏

وفي الاصطلاح‏:‏ يطلق النّحر على هذا المعنى اللّغويّ، ومن ذلك قول الفقهاء‏:‏ يستحبّ في الإبل النّحر‏.‏

‏(‏ر‏:‏ نحر‏)‏‏.‏

ج - العقر‏:‏

4 - العَقر بفتح العين لغةً‏:‏ ضرب قوائم البعير‏.‏

واستعمله الفقهاء بمعنى‏:‏ الإصابة القاتلة للحيوان في أيّ موضع كانت من بدنه، إذا كان غير مقدور عليه، سواء أكانت بالسّهم أم بجوارح السّباع والطّير‏.‏

‏(‏ر‏:‏ عقر‏)‏‏.‏

أقسام الصّيد

5 - الصّيد نوعان‏:‏ برّيّ وبحريّ‏.‏

فالصّيد البرّيّ‏:‏ ما يكون توالده في البرّ، ولا عبرة بالمكان الّذي يعيش فيه‏.‏

أمّا الصّيد البحريّ‏:‏ فهو ما يكون توالده في الماء، ولو كان مثواه في البرّ، لأنّ التّوالد أصل، والكينونة بعده عارض‏.‏

فكلب الماء والضّفدع، ومثله السّرطان والتّمساح والسّلحفاة بحريّ يحلّ اصطياده للمحرم، لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ‏}‏‏.‏

وأمّا البرّيّ‏:‏ فحرام عليه إلاّ ما يستثنى منه‏.‏

ر‏:‏ ‏(‏حرم فقرة‏:‏ 13‏)‏‏.‏

الحكم التّكليفيّ

6 - الأصل في الصّيد الإباحة، إلاّ لمحرم أو في الحرم، يدلّ عليها الكتاب والسّنّة والإجماع، والمعقول‏.‏

أمّا الكتاب فآيات، منها قوله تعالى‏:‏ ‏{‏أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعاً لَّكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُماً‏}‏‏.‏

وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُواْ‏}‏‏.‏

وأمّا السّنّة فأحاديث، منها‏:‏

حديث عديّ بن حاتم رضي الله عنه قال‏:‏ قلت يا رسول اللّه‏:‏ إنّا قوم نتصيّد بهذه الكلاب، فما يحلّ لنا منها‏؟‏ فقال‏:‏ » إذا أرسلت كلابك المعلّمة وذكرت اسم اللّه فكل ممّا أمسكن عليك، إلاّ أن يأكل الكلب فلا تأكل، فإنّي أخاف أن يكون إنّما أمسك على نفسه، وإن خالطها كلب من غيرها فلا تأكل «‏.‏

وحديث أبي ثعلبة الخشنيّ رضي الله عنه أنّه سأل رسول اللّه صلى الله عليه وسلم عن الصّيد بالقوس، والكلب المعلّم، والكلب غير المعلّم‏:‏ فقال له رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ » ما صدت بقوسك فاذكر اسم اللّه ثمّ كل، وما صدت بكلبك المعلّم فاذكر اسم اللّه ثمّ كل، وما صدت بكلبك الّذي ليس معلّماً فأدركت ذكاته فكل «‏.‏

وأمّا الإجماع فبيانه أنّ النّاس كانوا يمارسون الصّيد في عهد الرّسول صلى الله عليه وسلم وعهود أصحابه وتابعيهم من غير نكير‏.‏

وأمّا المعقول‏:‏ فهو أنّ الصّيد نوع اكتساب وانتفاع بما هو مخلوق لذلك، وفيه استيفاء المكلّف وتمكينه من إقامة التّكاليف، فكان مباحاً بمنزلة الاحتطاب‏.‏

وبهذا تتبيّن حكمة مشروعيّته‏.‏

7- وإذا علم أنّ الأصل في الصّيد الإباحة، فلا يحكم بأنّه خلاف الأولى أو مكروه أو حرام أو مندوب أو واجب إلاّ في صور خاصّة بأدلّة خاصّة نذكرها فيما يلي‏:‏

8 - أ - يكون الصّيد خلاف الأولى إذا حدث ليلاً، صرّح بذلك الحنفيّة، وصرّح الحنابلة بخلافه ففي المغني‏:‏ قال أحمد‏:‏ لا بأس بصيد اللّيل‏.‏

9- ب - ويكره الصّيد إذا كان الغرض منه التّلهّي والعبث‏.‏

لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ » لا تتّخذوا شيئاً فيه الرّوح غرضاً «‏.‏ أي هدفًا‏.‏

وذكر بعض الفقهاء صوراً أخرى للكراهة، فقد ذكر الحنفيّة أنّ تعليم البازي بالصّيود الحيّة مكروه، لما في ذلك من تعذيب الحيوان‏.‏

أمّا ما ذكره بعض الحنفيّة من كراهة حرفة الاصطياد عموماً، فقد ردّه الحصكفيّ وابن عابدين‏:‏ وقالوا‏:‏ إنّ التّحقيق إباحة اتّخاذه حرفةً، لأنّه نوع من الاكتساب، وكلّ أنواع الكسب في الإباحة سواء على المذهب الصّحيح‏.‏

قال ابن عابدين‏:‏ وهذا إذا لم يكن الكسب بالرّبا والعقود الفاسدة، ولم يكن بطريق محظور، فلا يذمّ بعضها، وإن كان بعضها أفضل من بعض‏.‏

وذكر الحنابلة أنّه يكره الاصطياد في صور منها‏:‏

أ - أن يكون بشيء نجس، كالعذرة، والميتة لما يتضمّنه من أكل المصيد للنّجاسة‏.‏

ب - ويكره أن يكون ببنات وردان، لأنّ مأواها الحشوش‏.‏

ج - ويكره أن يكون بالضّفادع، للنّهي عن قتلها‏.‏

د - ويكره أن يكون بالخراطيم، وكلّ شيء فيه الرّوح، لما فيه من تعذيب الحيوان‏.‏

10 - ويحرم الصّيد في صور، منها‏:‏

أ - أن يكون الصّائد محرماً بحجّ أو عمرة‏.‏

والصّيد برّيّاً، لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُماً‏}‏ وهذا باتّفاق الفقهاء‏.‏

ب - أن يكون الصّيد حرميّاً، سواء أكان الصّائد محرماً أم حلالاً، لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِناً‏}‏ الآية‏.‏

ولقوله صلى الله عليه وسلم في صفة مكّة‏:‏ » ولا ينفّر صيدها «، وهذا باتّفاق الفقهاء أيضاً‏.‏

ج - أن يكون على الصّيد أثر الملك، كخضب أو قصّ جناح أو نحوهما‏.‏

وقد ذكر هذه المسألة الشّافعيّة نصّاً، ويفهم ذلك من كلام سائر الفقهاء، لأنّه في هذه الحالة مملوك لشخص آخر‏.‏ ويشترط في الصّيد أن لا يكون مملوكاً‏.‏

وذكر المالكيّة صورةً أخرى يحرم فيها الصّيد، وهي‏:‏ خلوّه عن نيّة مشروعة، كأن يصاد المأكول أو غيره لا بنيّة الذّكاة، بل بلا نيّة شيء، أو بنيّة حبسه، أو الفرجة عليه‏.‏

لكن نقل الدّسوقيّ عن الحطّاب ما يفيد جواز اصطياد الصّيد بنيّة الفرجة عليه حيث لا تعذيب وأنّ بعضهم أخذوا الجواز من حديث‏:‏ » يا أبا عمير ما فعل النّغير «‏.‏

هذا، وقد لخّص الدّردير الحكم التّكليفيّ للصّيد عند المالكيّة فقال‏:‏ كره للّهو، وجاز لتوسعة على نفسه وعياله غير معتادة، وندب لتوسعة معتادة أو سدّ خلّة غير واجبة، أو كفّ وجه عن سؤال، أو صدقة، ووجب لسدّ خلّة واجبة، فتعتريه الأحكام الخمسة‏.‏

أركان الصّيد

11 - أركان الصّيد ثلاثة‏:‏ صائد ومصيد وآلة، ولكلّ ركن من هذه الأركان شروط بيانها فيما يلي‏:‏

أوّلاً‏:‏ ما يشترط في الصّائد

يشترط في الصّائد لصحّة الصّيد الشّروط الآتية‏:‏

12 - الشّرط الأوّل‏:‏ أن يكون عاقلاً، مميّزاً، وهذا عند جمهور الفقهاء - الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة، وهو قول عند الشّافعيّة -‏.‏

وذلك لأنّ الصّبيّ غير العاقل ليس أهلاً للتّذكية عندهم، فلا يكون أهلاً للاصطياد، ولأنّ الصّيد يحتاج إلى القصد والتّسمية، وهما لا يصحّان ممّن لا يعقل، كما علّله الحنفيّة والحنابلة‏.‏

وعلى ذلك فلا يجوز صيد المجنون، والصّبيّ غير المميّز، كما لا تجوز ذبيحتهما عند جمهور الفقهاء، خلافاً للشّافعيّة، فإنّهم صرّحوا بأنّ ذبح وصيد صبيّ - ولو غير مميّز، وكذا المجنون والسّكران - حلال في الأظهر عندهم، لأنّ لهم قصداً وإرادةً في الجملة، لكن مع الكراهة، لأنّهم قد يخطئون الذّبح، كما نصّ عليه في الأمّ، وفي قول آخر عند الشّافعيّة‏:‏ لا يحلّ صيدهم ولا ذبحهم، لفساد قصدهم‏.‏

قال الشّربينيّ‏:‏ ومحلّ الخلاف في المجنون والسّكران، إذا لم يكن لهما تمييز أصلاً، فإن كان لهما أدنى تمييز حلّ قطعاً‏.‏

ولتفصيل هذا الموضوع ينظر مصطلح‏:‏ ‏(‏ذبائح ف 21‏)‏‏.‏

13 - الشّرط الثّاني‏:‏ أن يكون حلالاً، فإن كان محرماً بحجّ أو عمرة لم يؤكل ما صاده، بل يكون ميتةً كما سيأتي بيانه‏.‏

14 - الشّرط الثّالث‏:‏ أن يكون مسلماً أو كتابيّاً، وهذا عند الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة، وقال المالكيّة‏:‏ لا يحلّ ما صاده الكتابيّ وإن حلّ ما ذبحه، وفرّقوا بين الذّبح والصّيد‏:‏ بأنّ الصّيد رخصة، والكافر ولو كتابيّاً ليس من أهلها‏.‏

وقال المالكيّة والشّافعيّة‏:‏ يعتبر - هذا الشّرط - من حين الإرسال إلى حين الإصابة، وهناك قول آخر للمالكيّة أنّه يشترط وقت الإرسال فقط كما تقدّم‏.‏

وعلى ذلك فلا يحلّ صيد المشرك أو المرتدّ، ووجه اشتراط هذا الشّرط هو أنّ غير المسلم لا يخلص ذكر اسم اللّه، ووجه حلّ صيد وذبائح أهل الكتاب هو قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ‏}‏‏.‏

والمقصود بالكتابيّ‏:‏ اليهوديّ والنّصرانيّ، ذمّيّاً كان أو حربيّاً‏.‏

وللتّفصيل ينظر مصطلح‏:‏ ‏(‏ذبائح ف 23، 24‏)‏‏.‏

15 - الشّرط الرّابع‏:‏ يشترط في الصّائد أن يسمّي اللّه تعالى عند الإرسال أو الرّمي، وذلك عند جمهور الفقهاء‏:‏ الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة‏.‏

ثمّ إنّ الحنفيّة‏:‏ قالوا‏:‏ تشترط التّسمية عند الإرسال ولو حكماً، فالشّرط عندهم عدم تركها عمداً، فلو نسي التّسمية ولم يتعمّد التّرك جاز‏.‏

وقال المالكيّة‏:‏ يشترط إذا ذكر وقدر‏.‏

وقال الحنابلة‏:‏ إن ترك التّسمية عمداً أو سهواً لم يبح، قال ابن قدامة‏:‏ هذا تحقيق المذهب، وهو قول الشّعبيّ وأبي ثور‏.‏

وعن أحمد أنّ التّسمية تشترط على إرسال الكلب، ولا يلزم ذلك في إرسال السّهم إليه حقيقةً، وليس له اختيار فهو بمنزلة السّكّين، بخلاف الحيوان فإنّه يفعل باختياره‏.‏

أمّا الشّافعيّة فلا تشترط عندهم التّسمية بل تسنّ عند إرسال السّهم أو الجارحة، فلو تركها عمداً أو سهواً حلّ، لكنّهم قالوا‏:‏ يكره تعمّد تركها‏.‏

وللتّفصيل ينظر مصطلح‏:‏ ‏(‏ذبائح ف 32 - 34‏)‏‏.‏

وينظر مصطلح‏:‏ ‏(‏تسمية ف 19‏)‏‏.‏

16 - الشّرط الخامس‏:‏ أن لا يهلّ الصّائد لغير اللّه تعالى‏.‏

وهذا الشّرط متّفق عليه عند جميع المذاهب، لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللّهِ‏}‏‏.‏ وينظر مصطلح‏:‏ ‏(‏ذبائح ف 35‏)‏‏.‏

17 - الشّرط السّادس‏:‏ أن يرسل الآلة بحيث ينسب إليه الصّيد‏.‏

وقال المالكيّة‏:‏ يكون إرسال الجارحة من يد الصّائد أو يد غلامه، قال الصّاويّ‏:‏ المراد باليد‏:‏ حقيقتها، ومثلها إرسالها من حزامه أو من تحت قدمه، لا القدرة عليه أو الملك فقط، وقالوا‏:‏ إنّه تكفي نيّة الأمر وتسميته، وإسلامه‏.‏

وقد فرّع الفقهاء على ذلك مسائل منها‏:‏

أ - لو أطارت الرّيح السّهم فقتلت صيداً أو نصب سكّيناً بلا قصد فاحتكّ به صيد فقتله لم يحلّ، صرّح بذلك الشّافعيّة والحنابلة‏.‏

ب - لو استرسلت جارحة بنفسها، ولم يغرها أحد في أثناء الاسترسال إغراءً يزيد من سرعتها حرم ما قتلته من الصّيد، لعدم تحقّق الإرسال‏.‏

ج - لو استرسلت جارحة بنفسها وأغراها من هو أهل للصّيد إغراءً يزيد من سرعتها لم يحلّ ما قتلته عند المالكيّة، وهو الأصحّ عند الشّافعيّة لعدم الإرسال من يد الصّائد عند المالكيّة، وأمّا الشّافعيّة فعلّلوا الحرمة بأنّه اجتمع فيه الاسترسال المانع والإغراء المبيح، فغلب جانب المنع، كما يقول الشّربينيّ الخطيب‏.‏

أمّا الحنفيّة والحنابلة - وفي مقابل الأصحّ عند الشّافعيّة - فقالوا بالحلّ إن اقترن بالإغراء التّسمية لظهور أثر الإغراء بزيادة العدو، ولأنّ الإغراء أثّر في عدوه، فأشبه ما لو أرسله، كما يقول الرّحيبانيّ‏.‏

د - لو أرسل الجارحة وهو أهل للصّيد، فأغراها من لا يحلّ صيده لم يحرم ما قتلته، لأنّ الإرسال السّابق على الإغراء أقوى منه، فلا ينقطع حكم الإرسال بالإغراء، كما صرّح به الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة‏.‏

هـ – لو أرسل الجارحة من ليس أهلاً للصّيد، فأغراها من هو أهل له لم يؤكل ما قتلته، لأنّ الاعتبار بالإرسال الّذي هو أقوى من الإغراء‏.‏

و - لو انفلتت الجارحة من يد صاحبها غير مسترسلة، فأغراها من هو أهل للصّيد حلّ ما قتلته لأنّ الإغراء ليس مسبوقاً بما هو أقوى منه، صرّح بذلك الحنفيّة‏.‏

واختلف فيه المالكيّة‏:‏ فقال مالك أوّلاً بالحلّ، ثمّ عدل إلى الحرمة، لأنّ الاصطياد لا ينسب إليه إلاّ إذا أرسل الجارحة من يده، وهذا هو الّذي جزم به خليل والدّردير، وإن كان القول بالحلّ قد أخذ به ابن القاسم واختاره غير واحد كاللّخميّ وأيّده البنانيّ، وهو المتّفق مع سائر المذاهب‏.‏

ز - لو أرسل الجارحة من هو أهل للصّيد، فوقفت في ذهابها، فأغراها من ليس أهلاً له حرم ما قتلته، لارتفاع حكم الإرسال بالوقوف، صرّح بذلك الحنفيّة‏.‏

18 - الشّرط السّابع‏:‏ قصد ما يباح صيده‏.‏

يشترط في الصّائد أن يقصد بإرساله صيد ما يباح صيده، فلو أرسل سهماً أو جارحةً على إنسان أو حيوان مستأنس، أو حجر فأصابت صيداً لم يحلّ‏.‏

ثمّ اختلفت عبارات الفقهاء في تطبيق هذا الشّرط، وفي الفروع الّتي ذكروها‏:‏

فقال الحنفيّة‏:‏ إذا سمع الصّائد حسّ ما لا يحلّ صيده من إنسان أو غيره، كفرس وشاة وطير مستأنس وخنزير أهليّ، فأطلق سهماً فأصاب ما يحلّ صيده، لم يحلّ لأنّ الفعل ليس باصطياد‏.‏

بخلاف ما إذا سمع حسّ أسد فرمى إليه أو أرسل كلبه، فإذا هو صيد حلال الأكل حلّ، لأنّه أراد صيد ما يحلّ اصطياده، كما إذا رمى إلى صيد فأصاب غيره‏.‏

لأنّ الحنفيّة يجيزون صيد ما لا يؤكل لحمه لمنفعة جلده، أو شعره أو ريشه، أو لدفع شرّه، كما سيأتي في شروط المصيد‏.‏

ونقل ابن عابدين عن الزّيلعيّ قوله‏:‏ لا يحلّ الصّيد إلاّ بوجهين‏:‏

أن يرميه وهو يريد الصّيد‏.‏

وأن يكون الّذي أراده، وسمع حسّه، ورمى إليه صيداً، سواء أكان ممّا يؤكل أم لا‏.‏

وقال المالكيّة‏:‏ يشترط علم الصّائد حين إرسال الجارح على المصيد أنّه من المباح، كالغزال والحمار الوحشيّ، وإن لم يعلم نوعه، بأن اعتقد أنّه مباح، لكن تردّد‏:‏ هل هو حمار وحشيّ أو ظبي‏؟‏ فإنّه يؤكل‏.‏

وكذا إن تعدّد مصيده ونوى الجميع‏.‏

وإن لم ينو الجميع فما نواه يؤكل إن صاده أوّلاً قبل غيره، فإن صاد غير المنويّ قبل المنويّ لم يؤكل واحد منهما إلاّ بذكاة، أمّا المنويّ فلتشاغله ابتداءً بغير المنويّ عنه، وأمّا غير المنويّ فلعدم نيّة اصطياده‏.‏

فإن لم يكن له نيّة في واحد، ولا في الجمع، لم يؤكل شيء، كما نقله الصّاويّ عن الأجهوريّ‏.‏

ولا يؤكل المصيد إن تردّد - بأن ظنّ أو شكّ أو توهّم - في حرمته، كخنزير فإذا هو حلال كظبي، لعدم الجزم بالنّيّة‏.‏

ونقل الصّاويّ عن جدّ الأجهوريّ أنّه لو نوى واحداً بعينه لم يؤكل إلاّ هو إن عرف، وإن نوى واحداً لا بعينه لم يؤكل إلاّ الأوّل، ولو شكّ في أوّليّته لم يؤكل شيء‏.‏

وقال الشّافعيّة‏:‏ لو أرسل سهماً مثلاً لاختبار قدرته، أو إلى غرض، فاعترضه صيد فقتله حرم في الأصحّ المنصوص، لأنّه لم يقصد صيداً معيّناً‏.‏

وفي القول الثّاني عندهم‏:‏ لا يحرم، نظراً إلى قصد الفعل، دون مورده‏.‏

وإذا أرسله على ما لا يؤكل، كخنزير، فأصاب صيداً، فإنّه لا يؤكل على الأصحّ كذلك، وكذا لو أرسل الكلب حيث لا صيد، فاعترضه صيد، فقتله لم يحلّ، وذلك لعدم قصد الاصطياد حين الإرسال‏.‏

أمّا إذا رمى صيداً ظنّه حجراً، أو حيواناً لا يؤكل، فأصاب صيداً حلّ، وكذا إذا رمى سرب ظباء، ونحوها من الوحوش، فأصاب واحدةً من ذلك السّرب حلّت، أمّا في الأولى، فلأنّه قتله بفعله، ولا اعتبار بظنّه، وأمّا في الثّانية، فلأنّه قصد السّرب، وهذه الواحدة منه‏.‏ وإن قصد واحدةً من السّرب، فأصاب غيرها منه حلّت في الأصحّ المنصوص، سواء أكان هذا الغير على سمت الأولى أم لا، لوجود قصد الصّيد‏.‏

ومقابل الأصحّ‏:‏ المنع، نظراً إلى أنّها غير المقصودة‏.‏

ولو قصد، وأخطأ في الظّنّ والإصابة معاً، كمن رمى صيداً ظنّه حجراً، أو خنزيراً ظنّه صيداً فأصاب صيداً غيره حرم، لأنّه قصد محرّماً، فلا يستفيد الحلّ‏.‏

وقال الحنابلة‏:‏ إن أرسل كلبه أو سهمه إلى هدف فقتل صيداً، أو أرسله يريد الصّيد ولا يرى صيداص، أو قصد إنساناً أو حجراً، أو رمى عبثاً غير قاصد صيداً، أو رمى حجرًا يظنّه صيداً، أو شكّ فيه أو غلب على ظنّه أنّه ليس بصيد، أو ظنّه آدميّاً أو بهيمةً فأصاب صيداً لم يحلّ في جميع هذه الصّور، لأنّ قصد الصّيد شرط، ولم يوجد‏.‏

ولو رمى صيداً فأصاب غيره، أو رمى صيداً فقتل جماعةً حلّ الجميع، لأنّه أرسله على صيد فحلّ ما صاده‏.‏

وكذا إذا أرسل سهمه على صيد فأعانته الرّيح فقتله، ولولاها ما وصل السّهم حلّ، لأنّه قتله بسهمه ورميه، أشبه ما لو وقع سهمه على حجر فردّه على الصّيد فقتله‏.‏ ولأنّ الإرسال له حكم الحلّ، والرّيح لا يمكن الاحتراز عنها، فسقط اعتبارها‏.‏

والجارح بمنزلة السّهم، فلو أرسله على صيد فأصاب غيره، أو على صيد فصاد عدداً حلّ الجميع‏.‏

19 - الشّرط الثّامن‏:‏ أن يكون الصّائد بصيراً، وهذا الشّرط ذكره الشّافعيّة، حيث نصّوا على أنّه يحرم صيد الأعمى برمي سهم أو إرسال كلب وغيره من الجوارح في الأصحّ، لعدم صحّة قصده، فأشبه استرسال الكلب بنفسه‏.‏

ومقابل الأصحّ‏:‏ يحلّ صيده، كذبحه‏.‏

قال الرّمليّ‏:‏ ومحلّ الخلاف ما إذا دلّه بصير على الصّيد فأرسل، أمّا إذا لم يدلّه أحد فلا يحلّ قطعاً، نعم لو أحسّ البصير بصيد في ظلمة، أو من وراء شجرة أو نحوهما فرماه حلّ بالإجماع، فكأنّ وجهه أنّ هذا مبصر بالقوّة، فلا يعدّ عرفاً رميه عبثاً‏.‏

ثانياً‏:‏ ما يشترط في المصيد

يشترط في المصيد الشّروط التّالية‏:‏

20 - الشّرط الأوّل‏:‏ يشترط في المصيد أن يكون حيواناً مأكول اللّحم أي جائز الأكل، وهذا عند جميع الفقهاء إذا كان الصّيد لأجل الأكل‏.‏

أمّا مطلق الصّيد فاختلفوا فيه‏:‏

فذهب الحنفيّة والمالكيّة إلى عدم اشتراط أن يكون الصّيد مأكول اللّحم، بل يجوز عندهم صيد ما يؤكل لحمه وما لا يؤكل لحمه لمنفعة جلده أو شعره أو ريشه، أو لدفع شرّه، وكلّ مشروع‏.‏

ويقول الأبيّ الأزهريّ من المالكيّة‏:‏ الاصطياد المتعلّق بنحو خنزير من كلّ محرّم يجوز بنيّة قتله، ولا يعدّ من العبث، وأمّا بنيّة الفرجة عليه فلا يجوز‏.‏

كما يجوز ذكاة ما لا يؤكل لحمه من الحيوان كخيل وبغل وحمار إن أيس منه‏.‏

أمّا الشّافعيّة والحنابلة فلا يجيزون صيد أو ذكاة غير مأكول اللّحم، ولهذا ذكروا في تعريفهم الصّيد بمعنى المصيد‏:‏ بأنّه حيوان مقتنص حلال متوحّش طبعاً غير مملوك ولا مقدور عليه‏.‏

وأجاز المالكيّة ذبح غير مأكول اللّحم للإراحة لا للتّطهير‏.‏

ولم يجز الشّافعيّة، قتل أو ذبح غير مأكول اللّحم حتّى للإراحة، فصيده يعتبر ميتة عندهم‏.‏ 21 - الشّرط الثّاني‏:‏ أن يكون المصيد حيوانًا متوحّشاً ممتنعاً عن الآدميّ بقوائمه أو بجناحيه، والمراد بالتّوحّش‏:‏ التّوحّش بأصل الخلقة والطّبيعة، أي‏:‏ لا يمكن أخذه إلاّ بحيلة‏.‏

فخرج بالممتنع‏:‏ مثل الدّجاج والبطّ، لأنّهما لا يقدران على الفرار من جهتهما، وبالمتوحّش‏:‏ مثل الحمام، وبقوله طبعاً‏:‏ ما يتوحّش من الأهليّات، فإنّها لا تحلّ بالاصطياد وتحلّ بذكاة الضّرورة بشروطها‏.‏

ودخل فيه مثل الظّبي، لأنّه حيوان متوحّش في أصل الطّبيعة، لا يمكن أخذه إلاّ بحيلة، وإن ألف بعد الاصطياد‏.‏

وكون المصيد حيواناً متوحّشاً ممتنعاً بالطّبع محلّ اتّفاق بين الفقهاء في الجملة، وإن كانوا مختلفين في بعض الفروع، منها‏:‏

أ - إذا ندّ بعير أو شرد بقر أو غنم، بحيث لا يقدر صاحبه على ذكاته في الحلق واللّبّة، ألحق بالصّيد - أي الحيوان المتوحّش الممتنع - وكذلك ما وقع منها في قليب أو بئر فلم يقدر على إخراجه ولا تذكيته، وكذا ما صال على صاحبه فلم يتمكّن من ذبحه، كلّ ذلك حكمه حكم الصّيد يحلّ بالعقر والجرح بسهم أو نحوه ممّا يسيل به دمه في أيّ موضع قدر عليه، وهذا عند جمهور الفقهاء‏:‏ - الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة - وروى ذلك عن عليّ وابن مسعود وابن عمر وابن عبّاس، وعائشة رضي الله عنهم وبه قال مسروق والأسود والحسن وعطاء وطاوس وإسحاق والشّعبيّ والحكم وحمّاد والثّوريّ، واستدلّوا بما روى رافع بن خديج رضي الله عنه قال‏:‏ » كنّا مع النّبيّ صلى الله عليه وسلم بذي الحليفة فأصاب النّاس جوع، فأصابوا إبلاً وغنماً، قال‏:‏ وكان النّبيّ صلى الله عليه وسلم في أخريات القوم، فعجّلوا وذبحوا ونصبوا القدور، فأمر النّبيّ صلى الله عليه وسلم بالقدور فأكفئت، ثمّ قسّم، فعدل عشرةً من الغنم ببعير، فندّ منها بعير فطلبوه، فأعياهم، وكان في القوم خيل يسيرة فأهوى رجل منهم بسهم فحبسه اللّه، ثمّ قال‏:‏ إنّ لهذه البهائم أوابد كأوابد الوحش، فما غلبكم منها فاصنعوا به هكذا « وفي لفظ‏:‏ » فما ندّ عليكم فاصنعوا به هكذا «‏.‏

ولأنّ الوحشيّ إذا قدر عليه وجبت تذكيته في الحلق واللّبّة، فكذلك الأهليّ إذا توحّش يعتبر بحاله‏.‏

ولم يفرّق الحنفيّة فيما إذا ندّ البعير أو البقر في المدينة أو في الصّحراء لأنّهما يدفعان عن أنفسهما، فلا يقدر عليهما‏.‏

وأمّا الشّاة فقال الحنفيّة‏:‏ إن ندّت في الصّحراء، فذكاتها العقر - أي أنّها كالصّيد - لأنّه لا يقدر عليها، وإن ندّت في المصر لم يجز عقرها، لأنّه يمكن أخذها، وذبحها مقدور عليه، فلا تلحق بالصّيد‏.‏

أمّا المالكيّة فالمشهور عندهم أنّ جميع الحيوانات المتأنّسة إذا ندّت فإنّها لا تؤكل بالعقر، لأنّ الأصل أن يكون المصيد وحشيّاً، ومقابله ما لابن حبيب‏:‏ أنّه إن ندّ غير البقر لم يؤكل بالعقر، وإن ندّ البقر جاز أكله بالعقر، لأنّ البقر لها أصل في التّوحّش ترجع إليه، لشبهها ببقر الوحش‏.‏

وإذا تردّى حيوان بسبب إدخال رأسه بكوّة - أعمّ من كونه وحشيّاً أو غير وحشيّ - فلا يؤكل بالعقر، أي بالطّعن بحربة مثلاً في غير محلّ الذّكاة، ولا بدّ من ذكاته بالذّبح أو النّحر إن كان ممّا ينحر، وهذا في المشهور عند المالكيّة‏.‏

وقال ابن حبيب‏:‏ يؤكل بالعقر الحيوان المتردّي المعجوز عن ذكاته مطلقاً، بقراً كان أو غيره صيانةً للأموال‏.‏

ب - إذا تأنّس وحشيّ الأصل، كالظّبي مثلاً، أو قدر على المتوحّش بطريقة أخرى، كأن وقع في حباله أو شبك مثلاً، لا يؤكل بالعقر، وإنّما بالتّذكية، لأنّه صار مقدوراً عليه‏.‏

أمّا إذا تأنّس المتوحّش، ثمّ ندّ وتوحّش مرّةً أخرى، فأصبح غير مقدور عليه، فيؤكل بالاصطياد‏.‏

ج - من رمى صيداً فأثخنه حتّى صار لا يقدر على الفرار، ثمّ رماه آخر فقتله لم يؤكل، لأنّه صار مقدوراً عليه‏.‏

وأضاف الحنابلة‏:‏ أنّه إن كان القاتل أصاب مذبحه حلّ، لأنّه صادف محلّ الذّبح، وليس عليه إلاّ أرش ذبحه، كما لو ذبح شاةً لغيره، بخلاف ما إذا كان أصاب غير مذبحه فإنّه لا يحلّ لأنّه لمّا أثبته صار مقدوراً عليه لا يحلّ إلاّ بالذّبح‏.‏

وهذا كلّه إذا لم تكن حياة الصّيد حياة مذبوح، بل كانت حياةً مستقرّةً، وإلاّ ففيه تفصيل يأتي ذكره‏.‏

22 - الشّرط الثّالث‏:‏ أن لا يكون صيد الحرم‏:‏ فقد اتّفق الفقهاء على أنّه يحرم في الحرم صيد الحيوان البرّيّ - أي ما يكون توالده وتناسله في البرّ - سواء أكان مأكول اللّحم أم غير مأكول اللّحم‏.‏

أمّا حرمة صيد الحرم المكّيّ فلقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ » إنّ اللّه حرّم مكّة، فلم تحلّ لأحد قبلي ولا تحلّ لأحد بعدي، إنّما حلّت لي ساعةً من نهار، لا يختلى خلاها، ولا يعضد شجرها ولا ينفّر صيدها «‏.‏

وحرمة صيد الحرم تشمل المحرم والحلال، كما تشمل إيذاء الصّيد وتنفيره والمساعدة على الصّيد بأيّ وجه من الوجوه، مثل الدّلالة عليه، أو الإشارة إليه أو الأمر بقتله‏.‏

أمّا صيد الحرم المدنيّ ففيه خلاف وتفصيل، ينظر في مصطلح‏:‏ ‏(‏حرم ف 30‏)‏‏.‏

23 - الشّرط الرّابع‏:‏ أن لا يدرك الصّيد حيّاً حياةً مستقرّةً بعد الإصابة، وذلك بأن يذهب الصّائد، أو تأتي به الجارحة فيجده ميّتاً، أو في حركة مذبوح، أو يكون بحيث لو ذهب إليه لوجده كذلك، ففي الحالة الأولى‏:‏ وهي وجوده ميّتاً يحلّ باتّفاق الفقهاء، وفي الحالة الثّانية وهي‏:‏ وجوده في حياة غير مستقرّة إذا ذبحه حلّ، وكذا إذا لم يذبحه ومات، لأنّ الذّكاة في مثل هذا لا تفيد شيئاً، إلاّ أنّه يستحبّ إمرار السّكّين عليه‏.‏

أمّا إذا وجد الصّائد الصّيد حيّاً حياةً مستقرّةً بعد الإصابة، أو كان بحيث لو ذهب إليه لوجده كذلك ولم يذبحه مع تمكّنه من ذلك، فمات لم يحلّ أكله، لأنّ ذكاته تحوّلت من الجرح إلى الذّبح، فإذا لم يذبح كان ميتةً، لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ » ما ردّ عليك كلبك المكلّب، وذكرت اسم اللّه عليه، وأدركت ذكاته فذكّه، وإن لم تدرك ذكاته فلا تأكل، وما ردّت عليك يدك، وذكرت اسم اللّه وأدركت ذكاته فذكّه، وإن لم تدرك ذكاته فكله «‏.‏

وكذا إذا جاء الصّائد وليس معه آلة الذّبح، أو تراخى في اتّباع الصّيد، ثمّ وجده ميّتاً، أو جعل الآلة مع غلامه، وكان شأنه أن يسبق الغلام فسبقه، وأدرك الصّيد حيّاً، ولم يأت الغلام إلاّ بعد موت الصّيد، أو وضع الآلة في خرجه أو نحوه ممّا يستدعي طول زمن في إخراجها منه، فأدركه حيّاً فلم يتمّ إخراج الآلة إلاّ بعد موت الصّيد أو تشبّثت الآلة في الغمد وكان ضيّقاً، أو سقطت منه، أو ضاعت فمات الصّيد حرم أكله في هذه الصّور، وكذا كلّ صورة لا يتمكّن فيها من ذبح الصّيد بتقصير منه‏.‏

أمّا إذا تعذّر ذبحه بدون تقصير من صائده‏:‏ كأن سلّ السّكّين فمات قبل إمكان ذبحه، أو امتنع بقوّته، ومات قبل القدرة عليه واشتغل الصّائد بطلب المذبح، أو وقع الصّيد منكّساً فاحتاج إلى قلبه فقلبه، أو اشتغل بتوجيهه إلى القبلة، أو تشبّثت السّكّين في الغمد لعارض ولم يكن ضيّقاً، أو حال بين الصّيد وصائده سبع فمات الصّيد المصاب حلّ أكله لعدم تقصيره‏.‏

وقال الشّافعيّة‏:‏ لو مشى الصّائد على هيئته ولم يأته عدواً فوجده ميّتاً بسبب الإصابة حلّ على أصحّ القولين، وفي القول الثّاني‏:‏ يشترط العدو إلى الصّيد عند إصابته، لأنّه هو المعتاد في هذه الحالة‏.‏

وقال الحنابلة - في أصحّ الرّوايتين عن أحمد - إذا أدرك الصّائد الصّيد وفيه حياة مستقرّة، ولم يجد ما يذبح به، وكانت معه جارحة، وجب أن يرسلها عليه حتّى تقتله فيحلّ أكله، وفي الرّواية الأخرى عن أحمد‏:‏ أنّه لا يحلّ مطلقاً، وقال القاضي‏:‏ يحلّ إذا مات من غير ذبح ولا إرسال جارحة عليه‏.‏

24 - الشّرط الخامس‏:‏ أن لا يغيب عن الصّائد مدّةً طويلةً وهو قاعد عن طلبه، فإن توارى الصّيد عنه، وقعد عن طلبه لم يؤكل أمّا إذا لم يتوار، أو توارى ولم يقعد عن طلبه أكل، وهذا محلّ اتّفاق بين الفقهاء، في الجملة، وإن اختلفت عباراتهم وآراؤهم في بعض الفروع‏.‏

والغرض من اشتراط هذا الشّرط هو حصول التّيقّن أو الظّنّ، أي الاعتقاد الرّاجح، بأنّ ما وجده قبل الغياب، أو بعده مع استمرار الطّلب هو صيده، وما أرسله من السّهم أو الكلب أو نحوهما من الآلة هو الّذي أصابه وأماته دون غيره‏.‏

فإن شكّ في صيده، هل هو أو غيره‏؟‏ أو شكّ في الآلة الّتي أرسلها هل هي قتلته‏؟‏ أو غيرها فلا يؤكل‏.‏

وقد فرّع الفقهاء على هذا الشّرط فروعاً، منها‏:‏

25 - أ - إذا غاب الصّيد بعد إرسال السّهم أو الكلب عليه، ثمّ وجده ميّتاً وفيه جرح آخر غير سهمه، لم يؤكل باتّفاق الفقهاء، لأنّه مشكوك فيه هل قتل بسهمه أو بسهم آخر، وقد ورد في حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه‏:‏ » أنّ رجلاً أتى النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ يا رسول اللّه أفتني في قوسي، قال‏:‏ ما ردّ عليك سهمك فكل‏.‏ قال‏:‏ وإن تغيّب عليّ‏؟‏ قال‏:‏ وإن تغيّب عليك، ما لم تجد فيه أثر سهم غير سهمك «‏.‏

26 – ب – إن أرسل سهماً أو كلباً إلى الصّيد وغاب عنه، فقعد عن طلبه غير متحامل على المشي، ثمّ وجده ميّتاً لا يحلّ ما لم يعلم جرحه بسهمه يقيناً، كما صرّح به الحنفيّة‏.‏

ولم يذكر المالكيّة والشّافعيّة قيد القعود عن الطّلب، فقد نصّ الشّافعيّة على أنّه لو غاب عنه الكلب والصّيد قبل أن يجرحه الكلب، ثمّ وجده ميّتاً حرّم على الصّحيح، لاحتمال موته بسبب آخر، وكذلك إن جرحه الكلب، أو أصابه بسهم وغاب، ثمّ وجده ميّتاً حرّم في الأظهر، قال الرّمليّ‏:‏ وهو المذهب المعتمد، قال ابن جزيّ‏:‏ لو فات عنه الصّيد ثمّ وجده غداً منفوذ المقاتل لم يؤكل في المشهور، وقيل‏:‏ يؤكل، وقيل يكره‏.‏

والأصل في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ » لعلّ هوامّ الأرض قتلته «‏.‏

أمّا الحنابلة فقد نصّوا على أنّ من رمى صيداً، ولو ليلاً، فجرحه ولو جرحاً غير موح، فغاب عن عينه، ثمّ وجده ميّتاً، بعد موته الّذي رماه فيه وسهمه فقط فيه، أو أثر السّهم ولا أثر به غيره حلّ ذلك لحديث عمرو بن شعيب السّابق‏.‏

قال ابن قدامة‏:‏ وهذا هو المشهور عن أحمد‏.‏

وعنه إن غاب نهاراً فلا بأس، وإن غاب ليلاً لم يأكله، وعن أحمد ما يدلّ على أنّه إن غاب مدّةً طويلةً لم يبح، وإن كانت يسيرةً أبيح له، لأنّه قيل له‏:‏ إن غاب يوماً‏؟‏ قال‏:‏ يوم كثير‏.‏

ووجه ذلك قول ابن عبّاس رضي الله عنهما إذا رميت فأقعصت فكل، وإن رميت فوجدت فيه سهمك من يومك أو ليلتك فكل، وإن بات عنك ليلةً فلا تأكل، فإنّك لا تدري ما حدث فيه بعد ذلك‏.‏

تحديد مدّة الغياب

27 - ذهب الحنفيّة والحنابلة - في المشهور عندهم - إلى عدم اشتراط مدّة معيّنة لغياب الصّيد ليحرم بعد ذلك، حتّى إنّه لو وجده بعد ثلاثة أيّام بشرط الطّلب عند الحنفيّة، ومطلقاً عند الحنابلة قبل أن ينتن حلّ، وذلك لما روى عديّ بن حاتم رضي الله عنه عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنّه قال‏:‏ » وإن رميت الصّيد فوجدته بعد يوم أو يومين ليس به إلاّ أثر سهمك فكل «‏.‏

وعن أبي ثعلبة رضي الله عنه عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنّه قال‏:‏ » إذا رميت الصّيد فأدركته بعد ثلاث وسهمك فيه فكله، ما لم ينتن «‏.‏

ولأنّ جرحه بسهمه سبب إباحته، وقد وجد يقيناً، والمعارض له مشكوك فيه، فلا نزول عن اليقين بالشّكّ‏.‏

لكن يشترط في أكله أن لا يكون قد قعد عن طلبه عند الحنفيّة، وذلك توفيقاً بين هذين الحديثين وبين قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ » لعلّ هوامّ الأرض قتلته « فيحمل هذا على ما إذا قعد عن طلبه، والأوّل على ما إذا لم يقعد‏.‏

ولأنّه يحتمل أن يموت بسبب آخر فيعتبر فيما يمكن التّحرّز عنه، لأنّ الموهوم في الحرمات كالمتحقّق، وسقط اعتباره فيما لا يمكن التّحرّز عنه للضّرورة، لأنّ اعتباره فيه يؤدّي إلى سدّ باب الاصطياد، وهذا لأنّ الاصطياد يكون في الصّحراء بين الأشجار عادةً، ولا يمكنه أن يقتله في موضعه من غير انتقال، وتوار عن عينه غالباً، فيعذر - ما لم يقعد عن طلبه- للضّرورة لعدم إمكان التّحرّز عنه، ولا يعذر فيما إذا قعد عن طلبه، لأنّ الاحتراز عن مثله ممكن فلا ضرورة إليه فيحرم‏.‏

أمّا المالكيّة‏:‏ فالمشهور عندهم التّحديد بأقلّ من يوم حيث قالوا‏:‏ لو مات منه صيد ثمّ وجده غداً منفوذ المقاتل لم يؤكل في المشهور‏.‏

والشّافعيّة‏:‏ يقولون بالحرمة بمجرّد الغياب، ولم يحدّدوا له مدّةً معيّنةً، فالصّحيح عندهم‏:‏ أنّه لو غاب عنه الكلب والصّيد قبل أن يجرحه ثمّ وجده ميّتاً حرّم، وكذلك إن جرحه الكلب، أو أصابه سهم ثمّ وجده ميّتاً يحرم في الأظهر لاحتمال موته بسبب آخر، والتّحريم يحتاط له‏.‏

28 - ج لو رمى صيداً فوقع في ماء، أو على سطح أو جبل ثمّ تردّى منه إلى الأرض حرّم، لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ‏}‏ إلى قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَالْمُتَرَدِّيَةُ‏}‏‏.‏

ولقوله صلى الله عليه وسلم لعديّ رضي الله عنه‏:‏ » إذا رميت سهمك فاذكر اسم اللّه، فإن وجدته قد قتل فكل، إلاّ أن تجده قد وقع في ماء، فإنّك لا تدري‏:‏ الماء قتله أو سهمك « وهذا عند جمهور الفقهاء‏.‏

ولا فرق في هذا الحكم بين ما إذا كانت الجراحة موحيةً أو غير موحية عند الحنفيّة، وهو المشهور عند الحنابلة، قال ابن قدامة‏:‏ وهذا ظاهر قول ابن مسعود رضي الله عنه وعطاء وربيعة وإسحاق، وأكثر أصحابنا المتأخّرين يقولون‏:‏ إن كانت الجراحة موحيةً كأن ذبحه أو أبان حشوته لم يضرّ وقوعه في الماء، ولا تردّيه، لأنّ هذا صار في حكم الميّت بالذّبح، فلا يؤثّر فيه ما أصابه‏.‏

ولو وقع الصّيد في الماء على وجه لا يقتله‏:‏ مثل أن يكون رأسه خارجاً من الماء، أو يكون من طير الماء الّذي لا يقتله الماء، أو كان التّردّي لا يقتل مثل ذلك الحيوان فلا خلاف في إباحته، لأنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ » وإن وجدته غريقاً في الماء فلا تأكل «، ولأنّ الوقوع في الماء والتّردّي إنّما حرّم خشية أن يكون قاتلاً أو معيناً على القتل، وهذا منتف فيما ذكرناه‏.‏

وكذلك إذا وقع على الأرض ابتداءً، بعد أن رماه بسهم فمات حلّ، لأنّه لا يمكن التّحرّز عنه، فسقط اعتباره كي لا ينسدّ باب الاصطياد، بخلاف ما إذا أمكن التّحرّز عنه، لأنّ اعتباره لا يؤدّي إلى سدّ بابه، ولا يؤدّي إلى الحرج، فأمكن ترجيح المحرّم عند التّعارض على ما هو الأصل في الشّرع‏.‏

هذا، وإذا أدرك الصّيد حيّاً غير منفوذ مقتل لم يؤكل إلاّ بذكاة إن قدر عليه، كما قدّمنا‏.‏ وهذا باتّفاق الفقهاء‏.‏

حكم جزء المصيد

29 - إذا رمى صيداً فأبان منه عضواً، وبقي الصّيد حيّاً حياةً مستقرّةً يحرم العضو المبان بلا خلاف بين الفقهاء لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ » ما قطع من البهيمة وهي حيّة فما قطع منها فهو ميتة «‏.‏

أمّا المقطوع منه، وهو الحيوان الحيّ، فلا بدّ فيه من ذكاة، وإلاّ يحرم - أيضاً - باتّفاق‏.‏ وإذا رماه فقطع رأسه، أو قدّه نصفين أو أثلاثاً - والأكثر ممّا يلي العجز - حلّ كلّه، لأنّ المبان منه حيّ صورةً لا حكماً، إذ لا يتوهّم سلامته وبقاؤه حيّاً بعد هذه الجراحة، فوقع ذكاةً في الحال فحلّ كلّه‏.‏ أمّا إذا قطع منه يداً أو رجلاً أو فخذاً، أو نحوها ولم تبق فيه حياة مستقرّة ففيه التّفصيل الآتي‏:‏

قال الحنفيّة‏:‏ إذا قطع يداً أو رجلاً أو فخذاً أو ثلثه ممّا يلي القوائم أو أقلّ من نصف الرّأس يحرم المبان منه، لأنّه يتوهّم بقاء الحياة في الباقي‏.‏

ولو ضرب صيداً فقطع يده أو رجله ولم ينفصل، ثمّ مات، إن كان يتوهّم التئامه واندماله حلّ أكله، لأنّه بمنزلة سائر أجزائه، وإن كان لا يتوهّم، بأن بقي متعلّقاً بجلد حلّ ما سواه دونه، لوجود الإبانة معنىً، والعبرة للمعاني‏.‏

وقال المالكيّة‏:‏ إذا كان المقطوع النّصف فأكثر جاز أكل الجميع، ولو قطع الجارح دون النّصف كيد أو رجل فهو ميتة، ويؤكل ما سواه، إلاّ أن يحصل بالقطع إنفاذ مقتل كالرّأس فليس بميتة فيؤكل كالباقي‏.‏

وصرّح الشّافعيّة‏:‏ بأنّه لو أبان من الصّيد عضواً كيده بجرح مذفّف - أي مسرع للقتل - فمات حلّ العضو والبدن كلّه‏.‏

وعند الحنابلة في المسألة روايتان‏:‏ أشهرهما عن أحمد إباحتهما‏.‏

قال أحمد‏:‏ إنّما حديث النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ » ما قطعت من الحيّ ميتة «‏.‏ إذا قطعت وهي حيّة تمشي وتذهب، أمّا إذا كانت البينونة والموت جميعاً، أو بعده بقليل إذا كان في علاج الموت فلا بأس به ألا ترى الّذي يذبح ربّما مكث ساعةً، وربّما مشى حتّى يموت‏.‏

والرّواية الثّانية‏:‏ لا يباح ما بان منه، عملاً بقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ » ما أبين من حيّ فهو ميّت «‏.‏

ولأنّ هذه البينونة لا تمنع بقاء الحيوان في العادة فلم يبح أكل البائن‏.‏

وهذه الشّروط كلّها إنّما تشترط في المصيد البرّيّ، إذا عقرته الجوارح أو السّلاح أو أنفذت مقاتله، فإن أدركه حيّاً غير منفوذ المقاتل ذكّي، ويشترط في ذلك ما يشترط في الذّبح، وتفصيله في مصطلح‏:‏ ‏(‏ذبائح ف 16 - 39‏)‏‏.‏

30 - أمّا المصيد البحريّ فلا تشترط فيه هذه الشّروط‏.‏

ويجوز عند جمهور الفقهاء - المالكيّة والحنابلة، وهو الأصحّ عند الشّافعيّة - صيد وأكل جميع حيوانات البحر سواء أكانت سمكاً أم غيره، لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ‏}‏ أي مصيده ومطعومه‏.‏

ولقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ » هو الطّهور ماؤه الحلّ ميتته «‏.‏

وفي قول عند الشّافعيّة‏:‏ لا يحلّ ما ليس على صورة السّمك المشهورة، وفي قول آخر عندهم‏:‏ إن أكل مثله في البرّ كالبقر والغنم حلّ، وإلاّ فلا‏.‏

لكن الشّافعيّة والحنابلة استثنوا من الحلّ‏:‏ الضّفدع، والتّمساح، والحيّة، وذلك لنهيه صلى الله عليه وسلم عن قتل الضّفدع ولاستخباث النّاس التّمساح، ولأكله النّاس، وللسّمّيّة في الحيّة‏.‏

أمّا الحنفيّة فقالوا‏:‏ لا يؤكل مائيّ إلاّ السّمك غير طاف، لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ‏}‏ وما سوى السّمك خبيث، لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ » أحلّت لنا ميتتان ودمان، أمّا الميتتان فالسّمك والجراد، وأمّا الدّمان فالكبد والطّحال «‏.‏

وأمّا الطّافي فيكره أكله لقول جابر رضي الله عنه‏:‏ أنّه عليه الصلاة والسلام قال‏:‏ » ما نضب عنه الماء فكلوا، وما طفا فلا تأكلوا «‏.‏

وتفصيله في مصطلح‏:‏ ‏(‏أطعمة ف 6 ج 5‏)‏‏.‏

شروط آلة الصّيد

آلة الصّيد نوعان‏:‏ أداة جامدة، أو حيوان‏.‏

أوّلاً‏:‏ الأداة الجامدة

31 - الأداة الجامدة‏:‏ منها ماله حدّ يصلح للقطع، كالسّيف والسّكّين، ومنها ما ينطلق من آلة أخرى وله رأس محدّد يصلح للخزق كالسّهم، ومنها ماله رأس محدّد لا ينطلق من آلة أخرى كالحديدة المثبّتة في رأس العصا، أو العصا الّتي بري رأسها حتّى صار محدّداً يمكن القتل به طعناً‏.‏

وهذه الأدوات ونحوها يجوز الاصطياد بها إذا قتلت الصّيد بحدّها، أو رأسها وحصل الجرح بالمصيد بلا خلاف‏.‏

أمّا الآلات الّتي لا تصلح للقتل بحدّها، ولا برأسها المحدّد، وإنّما تقتل بالثّقل كالحجر الّذي لم يرقّق، أو العمود والعصا غير محدّدة الرّأس، أو المعراض بعرضه ونحوها، فلا يجوز بها الاصطياد، وإذا استعملت فلا بدّ في المرميّ من التّذكية، وإلاّ لا يحلّ أكله‏.‏

وكذلك جميع الآلات المحدّدة إذا استعملت وأصابت بعرضها غير المحدّد لا يحلّ المرميّ بها إلاّ بالتّذكية‏.‏

ويمكن أن تختصر شروط الآلة فيما يلي‏:‏

32 - الشّرط الأوّل‏:‏ أن تكون الآلة محدّدةً تجرح وتؤثّر في اللّحم بالقطع أو الخزق، وإلاّ لا يحلّ بغير الذّبح‏.‏

ولا يشترط فيها أن تكون من الحديد، فيصحّ الاصطياد بكلّ آلة حادّة، سواء أكانت حديدةً، أم خشبةً حادّةً، أم حجارةً مرقّقة الرّأس، أم نحوها تنفذ داخل الجسم‏.‏

33 - الشّرط الثّاني‏:‏ أن تصيب الصّيد بحدّها فتجرحه، ويتيقّن كون الموت بالجرح، وإلاّ لا يحلّ أكله، لأنّ ما يقتل بعرض الآلة، أو بثقله يعتبر موقوذةً‏.‏

وقد قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ‏}‏ إلى قوله سبحانه‏:‏ ‏{‏وَالْمَوْقُوذَةُ‏}‏‏.‏

ولما روي أنّ عديّ بن حاتم رضي الله عنه قال للنّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ إنّي أرمي الصّيد بالمعراض فأصيب، فقال‏:‏ » إذا رميت بالمعراض فخزق فكله وإن أصابه بعرضه فلا تأكله «‏.‏ وفي لفظ له قال‏:‏ قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ » إذا رميت فسمّيت فخزقت فكل، فإن لم يتخزّق فلا تأكل، ولا تأكل من المعراض إلاّ ما ذكّيت، ولا تأكل من البندقة إلاّ ما ذكّيت «‏.‏

ولما ورد‏:‏ » أنّه عليه الصلاة والسلام نهى عن الخذف، وقال‏:‏ إنّها لا تصيد صيداً ولا تنكأ عدوّاً، ولكنّها تكسر السّنّ وتفقأ العين «‏.‏

34 - الشّرط الثّالث‏:‏ اشترط الحنفيّة أن يصيب الرّمي الصّيد مباشرةً، ولا يعدل عن جهته، فإذا ردّ السّهم ريح إلى ورائه، أو يمنةً أو يسرةً، فأصاب صيداً لا يحلّ، وكذا لو ردّه حائط أو شجرة‏.‏

وقال الشّافعيّة والحنابلة في إعانة الرّيح للسّهم‏:‏ لو قتل الصّيد بإعانة الرّيح للسّهم لم يحرم‏.‏

وزاد الحنابلة‏:‏ أنّه لو ردّ السّهم حجر أو غيره على الصّيد فقتله لم يحرم، لعسر الاحتراز عنه‏.‏

مسائل وفروع في الآلة الجامدة

تعرّض الفقهاء في شروط الآلة الجامدة لمسائل بيّنوا أحكامها، ومن أهمّ هذه المسائل ما يلي‏:‏

أ - الاصطياد بالشّبكة والأحبولة‏:‏

35 - لو نصب شبكةً أو أحبولةً، وسمّى، فوقع فيها صيد ومات مجروحاً لم يحلّ إذا لم تكن بها آلة جارحة، ولو كان بها آلة جارحة كمنجل، أو نصب سكاكين، وسمّى حلّ، كما لو رماه بها، صرّح به الحنفيّة والحنابلة‏.‏

وأضاف الحنابلة‏:‏ أنّه يحلّ، ولو بعد موت ناصبه أو ردّته، اعتباراً بوقت النّصب، لأنّه كالرّمي‏.‏

قال البهوتيّ‏:‏ لأنّ النّصب جرى مجرى المباشرة في الضّمان، فكذا في الإباحة لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ » كل ما ردّت إليك يدك «‏.‏ ولأنّه قتل الصّيد بما له حدّ جرت العادة بالصّيد به، أشبه ما لو رماه‏.‏

أمّا إذا لم يجرحه ما نصبه من مناجل أو سكاكين - كالمنخنقة بالأحبولة - فلا يباح الصّيد لعدم الجرح، وقد قال اللّه تعالى في المحرّمات‏:‏ ‏{‏وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ‏}‏‏.‏

وعند المالكيّة كما جاء في المدوّنة‏:‏ قلت‏:‏ أرأيت إذا قتلت الحبالات من الصّيد، أيؤكل أم لا‏؟‏ قال مالك‏:‏ لا يؤكل إلاّ ما أدركت ذكاته من ذلك، قال‏:‏ فقلت لمالك‏:‏ فإن كانت في الحبالات حديدة فأنفذت الحديدة مقاتل الصّيد‏؟‏ قال‏:‏ قال مالك‏:‏ لا يؤكل إلاّ ما أدركت ذكاته‏.‏

ب - الاصطياد بالبندق‏:‏

36 - يطلق البندق على معان، منها‏:‏ ما يؤكل، ومنها‏:‏ ما يصنع من طينة مدوّرة أو رصاصة يرمى بها الصّيد‏.‏ والواحدة‏:‏ بندقة، والجمع‏:‏ بنادق‏.‏

والمراد به هنا‏:‏ ما يرمى به الصّيد‏.‏

أمّا ما يصنع من الطّين، فقد اتّفق الفقهاء على أنّ ما قتل ببندقة الطّين الثّقيلة لا يحلّ أكله، لأنّها تقتل بالثّقل لا بالحدّ‏.‏

قال ابن عابدين نقلاً عن قاضي خان‏:‏ لا يحلّ صيد البندقة، والحجر والمعراض والعصا وما أشبه ذلك وإن جرح، لأنّه لا يخزق إلاّ أن يكون شيء من ذلك قد حدّده وطوّله، كالسّهم، وأمكن أن يرمي به، فإن كان كذلك وخزقه بحدّه حلّ أكله، فأمّا الجرح الّذي يدقّ في الباطن ولا يخزق في الظّاهر لا يحلّ، لأنّه لا يحصل به إنهار الدّم، ومثقّل الحديد وغير الحديد سواء، إن خزق حلّ وإلاّ فلا‏.‏

وعند المالكيّة لا يحلّ ما صيد ببندق الطّين لأنّه لا يجرح، وإنّما يرضّ ويكسر‏.‏

وقال النّوويّ في المنهاج‏:‏ فلو قتله بمثقّل، أو ثقل محدّد، كبندقة وسوط، حرم أي الأكل منه‏.‏

وقال البجيرميّ‏:‏ وأفتى ابن عبد السّلام بحرمة الرّمي بالبندق، وبه صرّح في الذّخائر، ولكن أفتى النّوويّ بجوازه، أي الرّمي بالبندق، وقيّده بعضهم بما إذا كان الصّيد لا يموت فيه غالباً، كالإوزّ، فإن مات كالعصافير فيحرم، فلو أصابته البندقة فذبحته بقوّتها، أو قطعت رقبته حرم، وهذا التّفصيل هو المعتمد‏.‏

ومثله ما ذكره الشّربينيّ الخطيب، وعبارته‏:‏ فإن كان يموت منه غالباً، كالعصافير وصغار الوحش حرم، كما قاله في شرح مسلم، فإن احتمل واحتمل ينبغي أن يحرّم‏.‏

وفي كشّاف القناع‏:‏ ولا بدّ من جرحه، أي الصّيد بالمحدّد، فإن قتله بثقله لم يبح، كشبكة، وفخّ، وبندقة، وعصا، وحجر لا حدّ له، قال البهوتيّ‏:‏ ولو شدخه أو حرّقه أو قطع حلقومه ومريئه‏.‏

وهذا كلّه في البندق المصنوع من الطّين أو الرّصاص من غير نار، أمّا ما صنع من الحديد ويرمي بالنّار، فاختلف الفقهاء في ذلك‏:‏

فصرّح الحنفيّة والشّافعيّة بالحرمة، قال ابن عابدين‏:‏ ولا يخفى أنّ الجرح بالرّصاص إنّما هو بالإحراق والثّقل بواسطة اندفاعه العنيف، إذ ليس له حدّ، وبه أفتى ابن نجيم، ويقول الزّيلعيّ‏:‏ الجرح لا بدّ منه، والبندقة لا تجرح‏.‏

وقال البجيرميّ‏:‏ أمّا ما يصنع من الحديد ويرمي بالنّار فحرام مطلقاً، ما لم يكن الرّامي حاذقاً، وقصد جناحه لإزمانه، وأصابه‏.‏

وقال القليوبيّ بحرمة الاصطياد بالبندقة فيما يموت بها كالعصافير، سواء أكان الاصطياد بالبندقة بواسطة نار أم لا‏.‏

وصرّح الدّردير من المالكيّة بالجواز حيث قال‏:‏ وأمّا الرّصاص فيؤكل به لأنّه أقوى من السّلاح، كذا اعتمده بعضهم‏.‏

ثمّ فصّل الدّسوقيّ فقال‏:‏ الحاصل أنّ الصّيد ببندق الرّصاص لم يوجد فيه نصّ للمتقدّمين، لحدوث الرّمي به بحدوث البارود في وسط المائة الثّامنة‏.‏

واختلف فيه المتأخّرون، فمنهم من قال بالمنع، قياساً على بندق الطّين، ومنهم من قال بالجواز، لما فيه من الإنهار والإجهاز بسرعة الّذي شرعت الذّكاة لأجله، وقياسه على بندق الطّين فاسد لوجود الفارق، وهو وجود الخزق والنّفوذ في الرّصاص تحقيقاً، وعدم ذلك في بندق الطّين، وإنّما شأنه الرّضّ والكسر‏.‏

ج - الاصطياد بالسّهم المسموم‏:‏

37 - ذهب الفقهاء إلى عدم جواز الاصطياد بالسّهم المسموم إذا تيقّن أو ظنّ أنّ السّمّ أعان على قتل الصّيد أو احتمل ذلك، لأنّه اجتمع في قتله مبيح ومحرّم، فغلب المحرّم، كما لو اجتمع سهم مجوسيّ ومسلم في قتل الحيوان‏.‏ فإن لم يحتمل ذلك فلا يحرّم‏.‏

وفصّل المالكيّة في المسألة فقالوا‏:‏ ما مات بسهم مسموم ولم ينفذ مقتله ولا أدركت ذكاته طرح، فإن أنفذ السّهم مقاتله قبل أن يسري السّمّ فيه لم يحرّم أكله، إلاّ أنّه يكره، خوفاً من أذى السّمّ، قال الموّاق نقلاً عن الباجيّ‏:‏ فإن أنفذ مقاتله فقد ذهبت علّة الخوف من أن يعين على قتله السّمّ، وبقيت علّة الخوف من أكله، فإن كانت من السّموم الّتي يؤمن على أكلها كالبقلة فقد ارتفعت العلّتان، وجاز أكله على قول ابن القاسم‏.‏

وإذا رمى بسهم مسموم ولم ينفذ مقاتله، وأدركت ذكاته، قال ابن رشد في سماع ابن القاسم‏:‏ لا يؤكل، ونحوه حكى ابن حبيب، وقال سحنون‏:‏ إنّه يؤكل، واستظهره ابن رشد، لأنّه قد ذكي وحياته فيه مجتمعة قبل أن ينفذ مقاتله‏.‏

ثانياً‏:‏ الحيوان

38 - يجوز الاصطياد بالحيوان المعلّم وهو ما يسمّى بالجوارح، من الكلاب والسّباع والطّيور ممّا له ناب أو مخلب، ويستوي في ذلك الكلب المعلّم والفهد والنّمر والأسد والبازي وسائر الجوارح المعلّمة، كالشّاهين والباشق والعقاب والصّقر ونحوها‏.‏

فالقاعدة‏:‏ أنّ كلّ ما يقبل التّعليم وعلّم يجوز الاصطياد به في الجملة وسيأتي ما يستثنى من ذلك عند بعض الفقهاء‏.‏

ولا يشترط في الحيوان أن يكون ممّا يؤكل لحمه عند عامّة الفقهاء، كما لا يشترط أن يكون طاهراً عند بعضهم، كما سيأتي تفصيله‏.‏

والأصل في ذلك قوله سبحانه وتعالى‏:‏ ‏{‏أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُم مِّنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللّهُ فَكُلُواْ مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُواْ اسْمَ اللّهِ عَلَيْهِ‏}‏‏.‏

واستثنى الفقهاء من ذلك الخنزير، فلا يحلّ الاصطياد به، لأنّه لا يجوز الانتفاع به‏.‏ واستثنى الحنابلة كذلك الكلب الأسود، والبهيم الأسود، وهو ما لا بياض فيه، أو كان أسود بين عينيه نكتتان، قال البهوتيّ‏:‏ وهو الصّحيح‏.‏

ووجه الاستثناء‏:‏ ما ورد في حديث جابر رضي الله عنه مرفوعاً‏:‏ » عليكم بالأسود البهيم ذي الطّفيتين فإنّه شيطان « قالوا‏:‏ فيحرم صيده، لأنّه صلى الله عليه وسلم أمر بقتله‏.‏

واستثنى أبو يوسف من الجوارح الأسد والدّبّ، لأنّهما لا يعملان لغيرهما، أمّا الأسد فلعلوّ همّته، وأمّا الدّبّ فلخساسته، ولأنّهما لا يتعلّمان عادةً‏.‏

وألحق بعض الحنفيّة الحدأة بهما لخساستها‏.‏

واستثنى ابن جزيّ من المالكيّة النّمس، فلا يؤكل ما قتل، لأنّه لا يقبل التّعليم، والمعتمد عندهم‏:‏ أنّ المدار على كونه علّم بالفعل، ولو في نوع ما لا يقبل التّعليم، كأسد ونمر ونمس، كما قال العدويّ‏.‏

ويشترط في الحيوان الشّروط التّالية‏:‏

39 - الشّرط الأوّل‏:‏ يشترط فيه أن يكون معلّماً، وهذا باتّفاق الفقهاء، لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَمَا عَلَّمْتُم مِّنَ الْجَوَارِحِ‏}‏‏.‏

ولقوله صلى الله عليه وسلم لأبي ثعلبة رضي الله عنه‏:‏ » ما صدت بكلبك المعلّم فذكرت اسم اللّه فكل، وما صدت بكلبك غير معلّم فأدركت ذكاته فكل «‏.‏

وذهب جمهور الفقهاء - المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة - إلى أنّه يشترط في الكلب المعلّم أنّه إذا أرسل أطاع وإذا زجر انزجر‏.‏

وأضاف الشّافعيّة والحنابلة شرطاً آخر وهو‏:‏ أنّه إذا أمسك لم يأكل، وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ » إلاّ أن يأكل الكلب فلا تأكل، فإنّي أخاف أن يكون إنّما أمسك على نفسه «‏.‏ ويشترط هذا في جارحة الطّير - أيضاً - عند الشّافعيّة في الأظهر، قياساً على جارحة السّباع، ولا يشترط هذا الشّرط في جارحة الطّير عند الحنابلة، وهو مقابل الأظهر عند الشّافعيّة، لأنّها لا تحتمل الضّرب لتتعلّم ترك الأكل، بخلاف الكلب ونحوه، ولقول ابن عبّاس رضي الله عنهما‏:‏ إذا أكل الكلب فلا تأكل، وإن أكل الصّقر فكل‏.‏

وإن شرب الكلب ونحوه دم الصّيد ولم يأكل منه لم يحرّم، كما صرّح به الشّافعيّة والحنابلة‏.‏

وأضاف الشّافعيّة‏:‏ أنّه يشترط تكرّر هذه الأمور المعتبرة في التّعليم بحيث يظنّ تأدّب الجارحة، ولا ينضبط ذلك بعدد، بل الرّجوع في ذلك إلى أهل الخبرة بالجوارح‏.‏

ولو ظهر بما ذكر من الشّروط كونه معلّماً، ثمّ أكل من لحم صيد لم يحلّ ذلك الصّيد في الأظهر عندهم، فيشترط تعليم جديد‏.‏

وقال الحنابلة‏:‏ لا يعتبر تكرار ترك الأكل، بل يحصل التّعليم بترك الأكل مرّةً، لأنّه تعلّم صنعةً أشبه سائر الصّنائع، فإن أكل بعد تعليمه لم يحرّم ما تقدّم من صيده، لعموم الآية والأخبار، ولم يبح ما أكل منه، ولم يخرج بالأكل عن كونه معلّماً، فيباح ما صاده بعد الّذي أكل منه‏.‏

وعند المالكيّة عصيان المعلّم مرّةً لا يخرجه عن كونه معلّماً، كما لا يكون معلّماً بطاعته مرّةً، بل العرف في ذلك كاف‏.‏

وقال الدّسوقيّ‏:‏ إنّ شرط الانزجار غير معتبر في البازي، لأنّه لا ينزجر بالزّجر بل رجّح بعضهم عدم اعتبار الانزجار مطلقاً، لأنّ الجارح لا يرجع بعد استيلائه‏.‏

وقال الصّاحبان من الحنفيّة‏:‏ إنّ التّعليم في الكلب ونحوه يكون بترك الأكل ثلاث مرّات، وفي البازي ونحوه من الطّيور بالرّجوع إذا دعي، قال الزّيلعيّ‏:‏ روي ذلك عن ابن عبّاس رضي الله عنهما‏.‏

وإنّما شرط ترك الأكل ثلاث مرّات، لأنّ تعلّمه يعرف بتكرار التّجارب والامتحان‏.‏

وعند أبي حنيفة لا يثبت التّعلّم ما لم يغلب على ظنّه أن قد تعلّم، ولا يقدّر بشيء، لأنّ المقادير تعرف بالنّصّ لا بالاجتهاد‏.‏ ولا نصّ هنا، فيفوّض إلى رأي المبتلى به، كما هو دأبه، ولأنّ مدّة التّعلّم تختلف بالحذاقة والبلادة، فلا يمكن معرفتها‏.‏

قال ابن عابدين‏:‏ ظاهر الملتقى ترجيح عدم التّقدير‏.‏

أمّا شرب الجارح دم المصيد فلا يضرّ عند الجميع‏.‏

40 - الشّرط الثّاني‏:‏ أن يجرح الحيوان الصّيد في أيّ موضع من بدنه، وهذا عند المالكيّة والحنابلة، وهو ظاهر الرّواية والمفتى به عند الحنفيّة، ومقابل الأظهر عند الشّافعيّة‏.‏ فلو قتله الجارح بصدم، أو عضّ بلا جرح لم يبح، كالمعراض إذا قتل بعرضه أو ثقله، وكذا لو أرسل الكلب فأصاب الصّيد وكسر عنقه ولم يجرحه، أو جثم على صدره وخنقه‏.‏ ووجه اشتراط هذا الشّرط، أي الجرح، هو قوله تعالى‏:‏‏{‏وَمَا عَلَّمْتُم مِّنَ الْجَوَارِحِ‏}‏ ولأنّ المقصود إخراج الدّم المسفوح، وهو يخرج بالجرح عادةً، ولا يتخلّف عنه إلاّ نادراً، فأقيم الجرح مقامه، كما في الذّكاة الاختياريّة والرّمي بالسّهم، ولأنّه إذا لم يجرحه صار موقوذةً، وهي محرّمة بالنّصّ، كما علّله الزّيلعيّ وابن قدامة‏.‏

وقال الشّافعيّة في الأظهر عندهم، وهو قول أبي يوسف ورواية عن أبي حنيفة، وقول أشهب من المالكيّة‏:‏ لا يشترط في الحيوان أن يجرح الصّيد، فلو تحاملت الجارحة على صيد فقتلته بثقلها، أو مات بصدمتها، أو بعضّها، أو بقوّة إمساكها من غير عقر حلّ، وذلك لعموم قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فَكُلُواْ مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ‏}‏ ولأنّه يعسر تعليمه أن لا يقتل إلاّ بجرح‏.‏

41 - الشّرط الثّالث‏:‏ أن يكون الحيوان مرسلاً من قبل مسلم أو كتابيّ مقروناً بالتّسمية، فلو انبعث من تلقاء نفسه، أو انفلت من يد صاحبه، أو ترك التّسمية عند الإرسال فأخذ صيداً وقتله لم يؤكل، وذلك في الجملة‏.‏

وقد مرّ تفصيل هذا الشّرط في شروط الصّائد‏.‏

42 - الشّرط الرّابع‏:‏ أن لا يشتغل الحيوان بعمل آخر بعد الإرسال، وذلك ليكون الاصطياد منسوباً للإرسال، وهذا الشّرط منصوص عليه عند الحنفيّة والمالكيّة، قال ابن عابدين‏:‏ لو أكل خبزاً بعد الإرسال أو بال لم يؤكل، ولو عدل عن الصّيد يمنةً أو يسرةً، أو تشاغل في غير طلب الصّيد، وفتر عن سننه، ثمّ اتّبعه فأخذه، لم يؤكل إلاّ بإرسال مستأنف، أو أن يزجره صاحبه ويسمّي فيما يحتمل الزّجر فينزجر، بخلاف ما إذا كمن واستخفى، كما يكمن الفهد على وجه الحيلة، لا للاستراحة، فلا يحتاج إلى إرسال مستأنف‏.‏

وقريب منه ما ذكره المالكيّة، حيث قالوا في شروط الجارح‏:‏ أن لا يرجع عن الصّيد، فإن رجع بالكلّيّة لم يؤكل، وكذلك لو اشتغل بصيد آخر، أو بأكله‏.‏

وفصّل الموّاق في المسألة فقال‏:‏ من أرسل كلبه أو بازه على صيد فطلبه ساعةً، ثمّ رجع عن الطّلب، ثمّ عاد فقتله، فإن كان كالطّالب له يميناً وشمالاً، وهو على طلبه فهو على إرساله الأوّل، وإن وقف لأجل الجيفة أو شمّ كلباً أو سقط البازي عجزاً عنه، ثمّ رأياه فاصطاده، فلا يؤكل إلاّ بإرسال مستأنف‏.‏

وقال الشّافعيّة‏:‏ لو أرسل كلباً على صيد فعدل إلى غيره، ولو إلى جهة غير الإرسال فأصابه ومات حلّ، لأنّه يعسر تكليفه ترك العدول‏.‏

استئجار الكلب للصّيد

43 - لا يجوز استئجار الكلب للصّيد عند الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة في الأصحّ، والحنابلة فيما نصّ عليه أحمد‏.‏

وعلّله الحنفيّة بأنّ المنفعة المطلوبة منه غير مقدورة الاستيفاء، إذ لا يمكن إجبار الكلب على الصّيد، فلم تكن المنفعة الّتي هي معقود عليها مقدورة الاستيفاء في حقّ المستأجر‏.‏ وعلّله الشّافعيّة بأنّه لا قيمة لعين الكلب، فكذا لمنفعته‏.‏

وعلّله الحنابلة بأنّ الكلب حيوان محرّم بيعه لخبثه، فحرّمت إجارته، ولأنّ إباحة الانتفاع به لم تبح بيعه فكذلك إجارته، ولأنّ منفعته لا تضمن في الغصب، فلم يجز أخذ العوض عنها في الإجارة‏.‏

حكم مَعَضّ الكلب وأثر فمه في الصّيد

44 - صرّح الشّافعيّة - وهو رواية عند الحنابلة - بأنّ معضّ الكلب نجس‏.‏

والأصحّ عند الشّافعيّة أنّه لا يعفى عنه كولوغه‏.‏ والثّاني‏:‏ يعفى عنه للحاجة‏.‏

قال الشّربينيّ الخطيب‏:‏ والأصحّ على الأوّل أنّه يكفي غسل المعضّ سبعاً بماء وتراب في إحداهنّ، كغيره، وأنّه لا يجب أن يقوّر المعضّ ويطرح، لأنّه لم يرد‏.‏

والثّاني‏:‏ يجب ذلك، ولا يكفي الغسل، لأنّ الموضع تشرّب لعابه، فلا يتخلّله الماء‏.‏

وقال ابن قدامة‏:‏ يجب غسل أثر فم الكلب، لأنّه قد ثبت نجاسته، فيجب غسل ما أصابه كبوله‏.‏

وذهب المالكيّة - وهو رواية أخرى عند الحنابلة - إلى طهارة معضّ الكلب، وعدم وجوب غسله‏.‏ قال ابن جزيّ‏:‏ موضع ناب الكلب يؤكل، لأنّه طاهر في المذهب‏.‏

وعلّل ابن قدامة عدم وجوب غسل المعضّ بناءً على هذه الرّواية بأنّ اللّه ورسوله أمرا بأكله، ولم يأمرا بغسله‏.‏

أمّا الحنفيّة فلم نجد لهم نصّاً في المسألة‏.‏ لكن المفتى به عندهم‏:‏ أنّ الكلب ليس نجس العين، وإنّما نجاسته بنجاسة لحمه ودمه، ولا يظهر حكمها وهو حيّ، كما قال ابن عابدين‏.‏

الاشتراك في الصّيد

45 - الاشتراك إمّا أن يكون في الصّائدين‏:‏ بأن يجتمع اثنان أو أكثر في الرّمي، أو إرسال الجارح على الصّيد، أو يكون في آلة الصّيد‏:‏ بأن يصطاد المصيد بسهم وبندقة مثلاً، أو بكلبين أو نحوهما، وبيان كلتا الصّورتين فيما يلي‏:‏

أوّلاً‏:‏ اشتراك الصّائدين

أ - اشتراك من هو أهل للصّيد مع من ليس أهلاً له‏:‏

46 - اتّفق الفقهاء على أنّه إذا اشترك في الصّيد من يحلّ صيده كمسلم ونصرانيّ مع من لا يحلّ صيده، كمجوسيّ أو وثنيّ فإنّ الصّيد حرام لا يؤكل، وذلك عملاً بقاعدة تغليب جانب الحرمة على جانب الحلّ‏.‏

وعلى ذلك فلو شارك مجوسيّ مسلماً، كأن رميا صيداً أو أرسلا عليه جارحاً يحرم الصّيد، لأنّه اجتمع في قتله مبيح ومحرّم، فغلّبنا التّحريم، كالمتولّد بين ما يؤكل وما لا يؤكل، لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ » ما اجتمع الحلال والحرام إلاّ وقد غلب الحرام الحلال «‏.‏ ولأنّ الحرام واجب التّرك والحلال جائز التّرك، فكان الاحتياط في التّرك‏.‏

وهذا إذا مات الصّيد بسهميهما أو بكلبيهما، ولا يختلف الحكم في هذه الحالة إذا وقع سهماهما فيه دفعةً واحدةً، أو وقع سهم أحدهما قبل الآخر‏.‏

أمّا إذا أرسلا كلبين أو سهمين على صيد فسبقت آلة المسلم فقتلته أو أنهته إلى حركة مذبوح، ثمّ أصاب كلب المجوسيّ أو سهمه حلّ، ولا يقدح ما وجد من المجوسيّ‏.‏

قال البهوتيّ‏:‏ وإن كان الجرح الثّاني - أي من المجوسيّ - موحياً - أيضاً - لأنّ الإباحة حصلت بالأوّل، فلم يؤثّر فيه الثّاني‏.‏

وإذا ردّه كلب المجوسيّ على كلب المسلم فقتله حلّ كذلك، كما صرّح به الحنفيّة والحنابلة، وإذا رمى المجوسيّ سهمه فردّ السّهم الصّيد فأصابه سهم المسلم فقتله فإنّه يحلّ، لأنّ المسلم انفرد بقتله، لكن الحنفيّة وصفوا الحلّ في صورة ردّ كلب المجوسيّ بالكراهة‏.‏

أمّا إذا سبقت آلة المجوسيّ فقتلته، أو أنهته إلى حركة مذبوح، أو لم يسبق واحد منهما وجرحاه معاً، وحصل الهلاك بهما، أو جهل ذلك، أو جرحاه مرتّباً ولكن لم يذفّف أحدهما فهلك بهما حرّم الصّيد تغليباً للتّحريم‏.‏

ب - اشتراك من هو أهل للصّيد مع مثله‏:‏

47 - إن اشترك في الرّمي أو الإصابة من هو أهل للصّيد مع مثله، كمسلمين أو نصرانيّين أو مسلم ونصرانيّ، فله صور‏:‏

الأولى‏:‏ إن رميا معاً وأصاباه وقتلاه كان الصّيد حلالاً، كما لو اشتركا في ذبحه، ويكون الصّيد بينهما نصفين باتّفاق الفقهاء‏.‏

الثّانية‏:‏ إن جرحاه معاً، وأزمناه، ولم يكن جرح أحدهما مذفّفاً، ثمّ مات الصّيد بسبب جرح الاثنين، حلّ ويكون بينهما‏.‏

الثّالثة‏:‏ إن كان جرح أحدهما موحياً - مذفّفاً -، والآخر غير موح، ولا يثبته مثله، فالصّيد لصاحب الجرح الموحي، لانفراده بذلك‏.‏

الرّابعة‏:‏ إذا رميا وأصابا متعاقبين، فذفّف الثّاني، أو أزمن دون الأوّل منهما، بأن لم يوجد منه تذفيف ولا إزمان حلّ، والصّيد للثّاني، لأنّ جرحه هو المؤثّر في امتناعه أو قتله، ولا شيء له على الأوّل بجرحه، لأنّه كان مباحاً حينئذ، وهذه الصّور متّفق عليها في الجملة‏.‏

الخامسة‏:‏ إذا رميا متعاقبين، فأثخنه الأوّل، ثمّ رماه الثّاني وقتله يحرم، ويضمن الثّاني للأوّل قيمته غير ما نقصته جراحة الأوّل، أمّا الحرمة فلأنّه لمّا أثخنه الأوّل فقد خرج من حيّز الامتناع، وصار مقدوراً على ذكاته الاختياريّة، ولم يذكّ، وصار الثّاني قاتلاً له، فيحرم‏.‏

وهذا إذا كان بحال يسلم من الجرح الأوّل، لأنّ موته يضاف إلى الثّاني‏.‏

أمّا إذا كان حيّاً حياة مذبوح فيحلّ والملك للأوّل، لأنّ موته لا يضاف إلى الرّمي الثّاني، فلا اعتبار بوجوده‏.‏

وأمّا ضمان الثّاني للأوّل في حالة الحرمة، فلأنّه أتلف صيداً مملوكاً للغير، لأنّه ملكه بالإثخان، فيلزمه قيمة ما أتلف‏.‏

وصرّح الشّافعيّة بأنّه إن أزمن الأوّل، ثمّ ذفّف الثّاني بقطع حلقوم ومريء فهو حلال، وإن ذفّف لا بقطعهما، أو لم يذفّف أصلاً، ومات بالجرحين فحرام، أمّا الأوّل فلأنّ المقدور عليه لا يحلّ إلاّ بذبحه، وأمّا الثّاني فلاجتماع المبيح والمحرّم، كما إذا اشترك فيه مسلم ومجوسيّ، وفي كلتا الصّورتين يضمنه الثّاني للأوّل، لأنّه أفسد ملكه‏.‏

والاعتبار في التّرتيب والمعيّة بالإصابة عند الشّافعيّة - وهو المفهوم من كلام الحنابلة وقول زفر من الحنفيّة - لا بابتداء الرّمي، كما أنّ الاعتبار في كونه مقدوراً عليه أو غير مقدور عليه بحالة الإصابة، فلو رمى غير مقدور عليه، أو أرسل عليه الكلب فأصابه وهو مقدور عليه، لم يحلّ إلاّ بإصابته في المذبح، وإن رماه وهو مقدور عليه فأصابه وهو غير مقدور عليه حلّ مطلقاً عندهم‏.‏

وقال الحنفيّة - عدا زفر - إنّ المعتبر في حقّ الحلّ والضّمان وقت الرّمي، لأنّ الرّمي إلى صيد مباح، فلا ينعقد سبباً لوجوب الضّمان، ولا ينقلب بعد ذلك موجباً، والحلّ يحصل بفعله وهو الرّمي والإرسال، فيعتبر وقته، أمّا في حقّ الملك فيعتبر وقت الإثخان، لأنّ به يثبت الملك، وعلى ذلك يحلّ الصّيد ويكون ملكاً للأوّل عند جمهور الحنفيّة في الصّور التّالية‏:‏

إن رمياه معاً فأصابه أحدهما قبل الآخر فأثخنه، ثمّ أصابه الآخر ومات‏.‏

رماه أحدهما أوّلاً، ثمّ رماه الثّاني قبل أن يصيبه الأوّل، أو بعدما أصابه قبل أن يثخنه، فأصابه الأوّل وأثخنه‏.‏

رميا معاً فأثخنه الأوّل ثمّ أصابه الثّاني فقتله‏.‏

ففي هذه الصّور يحلّ الصّيد ويكون ملكاً للأوّل، أمّا الحلّ فلأنّ وقت الرّمي لم يكن الصّيد مقدوراً عليه، وأمّا الملك فلأنّ الإثخان بفعل الأوّل‏.‏

وقال زفر - وهو مقتضى كلام الشّافعيّة والحنابلة -‏:‏ لا يحلّ أكله لأنّ الصّيد حالة إصابة الثّاني غير ممتنع، فلا يحلّ بذكاة الاضطرار، فصار كما إذا رماه الثّاني بعد ما أثخنه الأوّل‏.‏ 48 - وهناك صور أخرى ذكرها بعض الفقهاء، منها‏:‏

قال الشّافعيّة‏:‏ لو جهل كون التّذفيف أو الإزمان منهما أو من أحدهما كان لهما، لعدم التّرجيح، ويسنّ أن يستحلّ كلّ منهما من صاحبه تورّعاً من مظنّة الشّبهة‏.‏

ونظيره ما قاله الحنابلة مع اختلاف العبارة، قال البهوتيّ‏:‏ إن أصاب أحدهما بعد صاحبه فوجداه ميّتاً، ولم يعلم هل صار بالجرح الأوّل ممتنعاً أو لا‏؟‏ حلّ، لأنّ الأصل بقاء امتناعه، ويكون ملكه بينهما، لأنّ تخصيص أحدهما به ترجيح بلا مرجّح‏.‏

ذكر الحنابلة أنّه إن قال كلّ منهما‏:‏ أنا أثبته، ثمّ قتلته أنت ولم يكن التّذفيف والإزمان معلومين حرم، لإقرار كلّ منهما بتحريمه، ويتحالفان لأجل الضّمان‏.‏

ثانياً‏:‏ الاشتراك في آلة الصّيد

49 - ذهب الفقهاء إلى أنّه إذا اشترك في الصّيد آلتان أو سببان يباح بأحدهما الصّيد، ويحرّم بالآخر، يحرّم الصّيد، فالأصل أنّه إذا اجتمع الحلّ والحرمة يغلب جانب الحرمة، عملاً بقوله‏:‏ » ما اجتمع الحلال والحرام إلاّ وقد غلب الحرام الحلال « أو احتياطاً، كما قال الفقهاء‏.‏

فلو وجد المسلم أو الكتابيّ مع كلبه كلباً آخر جهل، هل سمّي عليه أم لا‏؟‏ وهل استرسل بنفسه أم أرسله شخص‏؟‏ وهل مرسله من أهل الصّيد أم لا‏؟‏ لم يبح، سواء علم أنّ الكلبين قتلاه معاً، أو لم يعلم القاتل، أو علم أنّ المجهول هو الّذي قتله، لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ » إن وجدت مع كلبك أو كلابك كلباً غيره فخشيت أن يكون أخذه معه، وقد قتله فلا تأكل، فإنّما ذكرت اسم اللّه على كلبك، ولم تذكره على غيره «‏.‏

ولتغليب الحظر على الإباحة‏.‏

الأثر المترتّب على الصّيد

50 - ذهب الفقهاء إلى أنّ الاصطياد إذا تمّ بالشّروط الّتي قدّمناها يكون سبباً لتملّك الصّائد للمصيد، وذلك بوضع اليد عليه أو بجرح مذفّف، أو بإزمان وكسر جناح، بحيث يعجز عن الطّيران والعدو جميعاً، إن كان ممّا يمتنع بهما، وإلاّ فبإبطال ما يمتنع به، أو بوقوعه في شبكة نصبها للصّيد، أو بإلجائه إلى مضيق لا يفلت منه، كإدخال صيد برّيّ إلى بيت، أو اضطرار سمكة إلى بركة صغيرة أو حوض صغير ونحو ذلك، وهذا في الجملة، وبيان ذلك فيما يلي‏:‏

أ - وضع اليد على الصّيد‏:‏

51 - ذهب الفقهاء إلى أنّ المصيد غير الحرميّ يملكه الصّائد بضبطه بيده، كما عبّر به الشّافعيّة والحنابلة، أو بالاستيلاء الحقيقيّ، كما هو تعبير الحنفيّة، وذلك إذا لم يكن عليه أثر ملك لآخر، كخضب أو قصّ جناح أو قرط، أو نحو ذلك‏.‏

ولا يشترط في وضع اليد أن يقصد تملّكه، حتّى لو أخذه لينظر إليه ملكه، لأنّه مباح، فيملك بوضع اليد عليه، كسائر المباحات، ولا يملك بمجرّد الرّؤية، وقد عبّر عنه المالكيّة بلفظ‏:‏ ‏"‏ المبادر ‏"‏، حيث قالوا‏:‏ وملك الصّيد المبادر‏.‏

ب - الجرح المذفّف‏:‏

52 - ذهب الفقهاء إلى أنّه إذا جرح الصّائد جرحاً مذفّفاً بإرسال سهم، أو كلب أو نحوهما يملكه ولو لم يضع يده عليه حقيقةً، لأنّه يعتبر استيلاءً حكميّاً، لكن يشترط في هذه الحالة أن يقصد الصّائد بفعله الاصطياد، فلو أرسل سهماً أو جارحةً لهواً، أو على حيوان مستأنس مثلاً فأصاب صيداً وذفّفه لم يحلّ، ولا يملك‏.‏

ج - الجرح المثخن‏:‏

53 - والمراد به الجرح الّذي يثبت الصّيد ويبطل امتناعه وإن لم يكن مسرعاً لقتله‏.‏

فإذا أثخن صيداً، أو كسر جناح الطّير، أو رجل الظّبي مثلاً، بحيث يعجز عن الطّيران أو العدو يملكه، فإذا تحامل الصّيد بعد إثباته، ومشى غير ممتنع فأخذه غير مثخنه لزمه ردّه‏.‏

د - نصب الحبالة أو الشّبكة‏:‏

54 - إذا نصب حبالةً أو شبكةً للصّيد فتعلّق بها صيد ملكه باتّفاق الفقهاء، لأنّه استيلاء حكميّ، ولأنّه أثبته بآلته، فأشبه ما أثبته بسهمه‏.‏

فإن لم تمسكه الشّبكة، بل انفلت منها في الحال أو بعد حين لم يملكه، لأنّه لم يثبته، وإن كان يمشي بالشّبكة على وجه لا يقدر على الامتناع به فهو لصاحب الشّبكة، وإلاّ بأن لم يزل على امتناعه فلمن أخذه‏.‏

وقيّد الشّافعيّة والحنابلة التّملّك في هذه الحالة بقصد الاصطياد، فإنّ مجرّد نصب الشّبكة أو الحبالة لا يكفي، حتّى يقصد نصبها للصّيد‏.‏

وفرّق الحنفيّة بين ما كان موضوعاً للاصطياد كالشّبكة، وبين ما لم يكن موضوعاً للاصطياد كالفسطاط مثلاً، فلم يشترطوا في الأوّل القصد واشترطوه في الثّاني، قال ابن عابدين‏:‏ الاستيلاء الحكميّ باستعمال ما هو موضوع للاصطياد، حتّى إنّ من نصب شبكةً فتعلّق بها صيد ملكه، قصد بها الاصطياد أو لا، فلو نصبها لتجفيفها لا يملكه، وإن نصب فسطاطاً، إن قصد الصّيد يملكه، وإلاّ فلا، لأنّه غير موضوع للصّيد‏.‏

هـ – إلجاء الصّيد إلى مضيق لا يفلت منه‏:‏

55 – إذا ألجأ الصّائد المصيد إلى مضيق لا يقدر على الانفلات منه، كبيت سدّت منافذه، أو أدخل السّمكة حوضاً صغيراً فسد منفذه، بحيث يمكنه تناول ما فيه باليد دون حاجة إلى شبكة أو سهم ملكه، لحصول الاستيلاء عليه، وإن كان الحوض كبيراً لا يمكنه أن يتناول ما فيه إلاّ بجهد وتعب، أو إلقاء شبكة في الماء لم يملكه به‏.‏

لكن الشّافعيّة قالوا‏:‏ هو أولى به من غيره، فلا يصيده غيره إلاّ بإذنه‏.‏

و - وقوع الصّيد في ملك غير الصّائد‏:‏

56 - لو رمى طائراً على شجرة في دار قوم فطرحه في دارهم، أو طرد الصّيد لدار قوم، فأخذوه فيه فإنّه ملك للرّامي والطّارد، دون مالكي الدّار، كما صرّح به المالكيّة والحنابلة، بخلاف ما لو رمى صيداً فأصابه، وبقي على امتناعه حتّى دخل دار إنسان فأخذه، فهو لمن أخذه لأنّ الأوّل لم يملكه، لكونه ممتنعاً، فملكه الثّاني بأخذه‏.‏

وقال الشّافعيّة‏:‏ يملك الصّيد بوقوعه في شبكة نصبها للصّيد، طرده إليها طارد أم لا‏.‏

وقال المالكيّة‏:‏ إن اشترك في الصّيد طارد مع ذي حبالة وقصد الطّارد إيقاعه فيها، ولولاهما لم يقع الصّيد في الحبالة، فعلى حسب فعليهما، أي نصب الحبالة وطرد الطّارد، فإذا كانت أجرة الطّارد درهمين وأجرة الحبالة درهماً، كان للطّارد الثّلثان، ولصاحب الحبالة الثّلث‏.‏

وإن لم يقصد الطّارد إيقاع الصّيد في الحبالة، وأيس من الصّيد فوقع فيها، يملكه ربّ الحبالة ولا شيء للطّارد، وإن كان الطّارد على تحقّق من أخذه بغير الحبالة، فقدّر اللّه أنّه وقع فيها - بقصده أو بغير قصده - فهو للطّارد خاصّةً، ولا شيء عليه لصاحب الحبالة‏.‏ قال الدّسوقيّ‏:‏ نعم إذا قصد الطّارد إيقاعه فيها لأجل إراحة نفسه من التّعب، لزمه أجرة الحبالة لصاحبها‏.‏

فروع في تملّك الصّيد

57 - الأوّل‏:‏ السّفينة إذا وثبت فيها سمكة فوقعت في حجر إنسان فهي له، دون صاحب السّفينة، لأنّ حوزه أخصّ بالسّمكة من حوز صاحب السّفينة، لأنّ حوز السّفينة شمل هذا الرّجل وغيره، وحوز هذا الرّجل لا يتعدّاه‏.‏ والأخصّ مقدّم على الأعمّ‏.‏

وإذا وقعت في السّفينة فهي لصاحبها، لأنّ السّفينة ملكه، ويده عليها، فما حصل من المباح فيها كان أحقّ به‏.‏

وأضاف الحنابلة‏:‏ أنّه إن كانت السّمكة وثبت بفعل إنسان بقصد الصّيد، كالصّائد الّذي يجعل في السّفينة ضوءاً باللّيل ويدقّ بشيء كالجرس ليثب السّمك في السّفينة فهذا للصّائد، دون من وقع في حجره، لأنّه أثبتها بذلك‏.‏

58 - الثّاني‏:‏ إذا أمسك الصّائد الصّيد، وثبتت يده عليه لم يزل ملكه عنه بانفلاته عند الجمهور - الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة - كما لو شردت فرسه أو ندّ بعيره، قال الشّافعيّة‏:‏ سواء أكان يدور في البلد أم التحق بالوحوش في البرّيّة‏.‏

وكذا لا يزول ملكه بإرسال المالك له في الأصحّ عند الشّافعيّة، وهو المذهب عند الحنابلة، كما لو أرسل بعيره، لأنّ رفع اليد عنه لا يقتضي زوال الملك عنه‏.‏

وفي القول الثّاني عند الشّافعيّة، وهو محتمل عند الحنابلة‏:‏ يزول ملكه عن المرسل، فيجوز اصطياده، وذلك لأنّ الأصل الإباحة، والإرسال يردّه إلى أصله‏.‏

والثّالث عند الشّافعيّة أنّه‏:‏ إن قصد بإرساله التّقرّب إلى اللّه تعالى زال ملكه، وإلاّ فلا يزول ملكه بالإرسال‏.‏

وذهب الحنفيّة إلى أنّ الصّيد لا يخرج عن ملك صاحبه بالإرسال أو الإعتاق‏.‏

قال ابن عابدين‏:‏ هذا يحتمل معنيين‏:‏

الأوّل‏:‏ أنّه لا يخرج عن ملكه قبل أن يأخذه أحد، فإن أخذه أحد بعد الإباحة ملكه، كما تفيده عبارة مختارات النّوازل‏:‏ سيّب دابّته فأخذها آخر وأصلحها فلا سبيل للمالك عليها إن قال عند تسييبها‏:‏ هي لمن أخذها‏.‏

الثّاني‏:‏ أنّه لا يخرج عن ملكه مطلقاً، لأنّ التّمليك لمجهول لا يصحّ مطلقاً، أو إلاّ لقوم معلومين، وتكون فائدة الإباحة حلّ الانتفاع به مع بقائه على ملك المالك‏.‏

أمّا المالكيّة فعندهم كما يقول الحطّاب‏:‏ إن ندّ صيد من صاحبه وصاده غيره ففيه طريقان‏:‏ إن صيد قبل توحّشه، وبعد تأنّسه فهو للأوّل اتّفاقاً، وإن صاده بعد توحّشه فقال مالك وابن القاسم‏:‏ هو للثّاني، وإن ملكه بشراء فهل يكون كالأوّل أم لا‏؟‏ قال ابن الموّاز‏:‏ هو كالأوّل، وقال ابن الكاتب‏:‏ هو للأوّل على كلّ حال‏.‏

59 - الثّالث‏:‏ من أحرم وفي حيازته صيد، فللفقهاء فيه التّفصيل التّالي‏:‏

ذهب الحنفيّة إلى أنّ من دخل الحرم أو أحرم في حلّ، وفي يده الحقيقيّة صيد وجب إطلاقه، أو إرساله للحلّ وديعةً على وجه غير مضيّع له، لأنّ تضييع الدّابّة حرام‏.‏

ولا يخرج الصّيد عن ملكه بهذا الإرسال، فله إمساكه في الحلّ، وله أخذه من إنسان أخذه منه، لأنّه لم يخرج عن ملكه‏.‏

وقال المالكيّة‏:‏ يرسل المحرم الصّيد وجوباً إذا كان مملوكاً له قبل الإحرام، وكان في قفص أو نحوه، بيده، أو بيد رفقته الّذين معه، فإن لم يرسله وتلف ضمنه، وإذا أرسله زال ملكه عنه حالاً ومآلاً، فلو أخذه أحد قبل لحوقه بالوحش أو بعده فقد ملكه، وليس لصاحبه الأصليّ أخذه منه‏.‏

ولا يجب إرساله إن كان الصّيد حال إحرامه ببيته، وإن أحرم من بيته وفيه صيد ففيه تأويلان‏:‏ والمعتمد عدم وجوب الإرسال، وعدم زوال الملكيّة‏.‏

وقال الشّافعيّة‏:‏ إن كان في ملكه صيد فأحرم زال ملكه عنه، ولزمه إرساله، لأنّه لا يراد للدّوام، فتحرم استدامته، فلو لم يرسله حتّى تحلّل لزمه إرساله - أيضاً - إذ لا يرتفع اللّزوم بالتّعدّي، ومن أخذه ولو قبل إرساله وليس محرماً ملكه، لأنّه بعد لزوم الإرسال صار مباحاً‏.‏

وقال الحنابلة‏:‏ إذا أحرم وفي ملكه صيد لم يزل ملكه عنه، ولا يده الحكميّة، مثل أن يكون في بلده، أو في يد نائب له في غير مكانه، ولكن يلزمه إزالة يده المشاهدة، فإذا كان في قبضته أو خيمته أو رحله أو قفص معه أو مربوطاً بحبل معه لزمه إرساله، وإذا أرسله لم يزل ملكه عنه، فمن أخذه ردّه عليه إذا حلّ‏.‏ ومن قتله ضمنه له، لأنّ ملكه كان عليه، وإزالة يده لا تزيل الملك بدليل الغصب والعاريّة‏.‏

دخول مالك الصّيد الحرم

60 - لا يختلف عند الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة حكم الصّيد من حيث لزوم الإرسال والملكيّة وغيرهما لمن دخل الحرم بغير إحرام عن حكمه بالنّسبة للمحرم، فما قالوه هناك نصّوا عليه هنا أيضاً‏.‏

أمّا الشّافعيّة فقالوا‏:‏ إنّ دخول مالك الصّيد الحرم من غير إحرام لا يزول به ملك الصّيد، ولا يجب عليه إرساله، لأنّ صيد الحلّ إذا ملكه إنسان لا يصير صيد حرم‏.‏

ضمان الصّيد

61 - تعرّض الفقهاء لبيان حكم ضمان الصّيد في صور منها‏:‏

الأولى‏:‏ ضمان صيد الحرم، فقد اتّفق الفقهاء على أنّه يحرم على المحرم والحلال التّعرّض لصيد في الحرم بالقتل والجرح والإيذاء والاستيلاء عليه، وكذا التّنفير والمساعدة في اصطياده بأيّ وجه من الوجوه، كالدّلالة والإشارة والأمر ونحوها‏.‏

كما اتّفقوا على ضمان قتله وإصابته عمداً أو خطأ على المحرم والحلال، ويكون الضّمان فيما له مثل من النّعم بالمثل، أو تقويمه بنقد يشتري به طعاماً يتصدّق به على مساكين الحرم، أو ما يعدل ذلك من الصّيام‏.‏

أمّا فيما لا مثل له فقيمته بتقويم رجلين عدلين يتصدّق بها على المساكين، كما ورد في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْتُلُواْ الصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّداً فَجَزَاء مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ هَدْياً بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَو عَدْلُ ذَلِكَ صِيَاماً‏}‏‏.‏

وينظر تفصيله في مصطلح‏:‏ ‏(‏إحرام ف 160 - 164‏)‏‏.‏

الثّانية‏:‏ ضمان صيد الحلّ إذا أراد أن يدخل به الحرم، فمن ملك صيداً في الحلّ، وأراد أن يدخل به الحرم لزمه رفع يده عنه وإرساله عند جمهور الفقهاء - الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة - كما قدّمناه، فإن لم يرسله وتلف فعليه ضمانه، لأنّه تلف تحت اليد المعتدية‏.‏ وقال الشّافعيّة‏:‏ لو أدخل الحلال معه صيداً إلى الحرم لا يضمنه، لأنّه صيد حلّ‏.‏

وتفصيله في مصطلح‏:‏ ‏(‏حرم 13‏)‏‏.‏